ماذا عن رواية “فهرنهايت 451″؟

لن أسامح باراك أوباما. ولن أسامح الشخص الذي ربط هذه الرواية مع تحفة جورج أورويل 1984 في رأسي، لا أتذكر تماماً من هو هذا الشخص، ولكن أياً كان، لا أسامحه. وما الطريقة الأفضل لتقييم كتاب يروي قصة مستقبل ديستوبيّ ناجم عن حرق الكتب غير ذكر درجة الحرارة التي يستحق هذا الكتاب الحرق فيها؛ 902 فهرنهايت. لا أريده أن ينصهر فحسب، يجب أن يتحول الهواء المحيط بالأوراق أيضاً إلى رماد.

قصة كتابة الرواية، في الحقيقة، مثيرة للاهتمام أكثر من الرواية بحد ذاتها

لا أدري ما دفعني لقراءة الرواية هذه من الغلاف إلى الغلاف، ربما أردت أن أقنع نفسي بأنني أنهيتها كاملة كي أستطيع رميها جانباً إلى الأبد أو ربما أحرقها لاحقاً دون أن أشعر بتأنيب الضمير. ولكن ربما كان هذا أمر جيداً في النهاية، فقد وجدت أن الكاتب قد ضمّن قصة كتابته للرواية في الصفحات الأولى والأخيرة من الأصدار الذي امتلكته.

لاختصار القصة الطويلة، رواية فهرنهايت قادمة بعد محاولات عديدة لكتابة رواية ديستوبية في المستقبل من الكاتب، وبينما رفضت كل أعماله السابقة من النشر، استطاع الكاتب الحصول على قبول لهذه الرواية بعد عمل مطوّل عليها. كتب الكاتب هذه الرواية دون أن يمتلك آلة كاتبة (بحسب ما أذكر، لن أعود لقراءة التفاصيل مجدداً) من خلال العمل على آلة كاتبة تؤجّر ساعيّاً، منتقلاً بين المكتبة والآلة الكاتبة لتصفح مصادر الإلهام والكتابة كلما أتيحت له الفكرة.

وعلى ما أذكر أيضاً أن الشخص الذي ساعد في نشر الرواية للمرة الأولى كان هيفنر، مالك مجلة بلايبوي الشهيرة.

بأي حال، وجدت قصة كتابة الرواية مثيرة للاهتمام ولم أجد رابطاً حقيقياً بين أحداث الرواية في النهاية وبين حياة الكاتب التي ذكرها في تلك القصة… ربما لم يكن هناك انعكاس لشخصية الكاتب على الرواية في النهاية، من يدري.

حرق بعض الكتب وإبقاء بعضها

على عكس فكرة وزارة الحقيقة في رواية 1984، واعذروني على المقارنة المهينة هنا وفي بقية المقال، لا أصدق أنني أقارن هتين الروايتين ببعضهما، فكرة حرق الكتب في فهرنهايت لا تبدو منطقية على الإطلاق، وهي ما يبني عليه الكاتب كل التفاصيل الأخرى التي بدورها لا تقدم أي ذرة من المنطق للقارئ.

المشكلة تحديداً في بناء نظام متماسك للقيام بعملية الحرق، في حالة 1984 هناك وزارات مختصة بالعثور على الكتب، تعديلها، سحب الصحف وتغيير محتواها، وهناك نظام فكريّ يمنع المواطنين من تشغيل أدمغتهم لتذكّر ما حدث. كل شيء مترابط ومتوافق ومتماسك، ويمكن لك كقارئ تخيل نفسك في الحال ذاك محاطاً من كل جانب دون أمل على الإطلاق سوى الأمل الذي يمتلكه البطل في القصة.

في فهرنهايت النظام ليس متكاملاً وفيه الكثير من الثغرات، لا يذكر الكاتب أي شيء عن الأنظمة الموضوعة للبحث عن الكتب واستبدالها، أو الطريقة التي تقرر فيها الدولة ما يجب حرقه مما لا يجب حرقه، وبعد التفكير في الأمر لا أعتقد أن هذا الأمر مهماً حقاً، هناك الكثير من الأشياء الأكثر سوءاً في هذه الرواية والأقل أهمية من شرح طريقة عمل النظام للقارئ، ولكن ما يزعجني حقاً بخصوص هذه النقطة هو أنه من المتوقع أنها ستكون نقطة قوة للرواية.

ما أقصده أن الكاتب يحاول بفعلته هذه أن يضع القارئ في أجواء سوداوية لا يعرف فيها ما يجري حوله، وهذا ليس سيئاً بالمطلق عادة، ولكن في هذا النوع من الروايات عليك على الأقل تفسير جزء من الأحداث للقارئ ليكون قادراً على التعاطف مع الشخصيات.

وعلى ذكر الشخصيات.

لماذا؟

فهرنهايت لا تقدم طاقماً ضخماً من الشخصيات، هناك الإطفائي والفتاة التي ستموت لاحقاً والزوجة الغبية ومدير الإطفائية والبروفيسور الأحمق ومن ثم مجموعة الشخصيات التي لا معنى لوجودها.

يتضح من البداية كون الإطفائي هو الشخصية الرئيسية، ومن المتوقع أيضاً أنه الشخصية الأكثر أهمية في الرواية كون الأحداث كلها تتمحور حوله، ومن المتوقع أيضاً انه سيكتسب شيئاً أثناء أحداث القصة… حسناً هذه الأخيرة هي الأهم، ولم تحدث.

ولماذا؟ لا أدري صراحة.

أعلم أن وجود شخصية غاضبة تائهة لا تعلم ما يجب عليها القيام به أمر “إيدجي” و”كوول” ومن المتوقع العثور عليه في رواية تدور حول الثقافة الأمريكية وتحاول الدخول في أسواق الروايات “المينستريم” ولكن هل كان على الكاتب جعل شخصية الإطفائي بهذا الغباء.

وهذه ليست مجاملة، لا أقصد بالغباء هنا أنها شخصية ملائمة لأحداث عالم الرواية، الذي تهدف فيه الدولة إلى إبقاء المواطن في جهل مقصود كي يبقى محصوراً بين شاشات التلفزيون في منزله وبين الطرقات السريعة التي لا أعلم كيف استنتج الكاتب أنها ستكون “من مغريات الحياة” بأي شكل من الأشكال. ما أقصده هنا أن الشخصية الرئيسي غبية حتى بمعايير الرواية ذاتها.

من الواضح أن شيف الإطفائية ذكي، ومن الواضح أن ألعاب الذكاء موجودة في هذا العالم الديستوبي، ومن الواضح أن المال أمر موجود فعلاً وتوفير المال مفهوم موجود فعلاً، ومن الواضح أن التكنولوجيا متطورة بشكل لا بأس به، ولكن لماذا كان الإطفائي غير قادر على استخدام عقله قبل الإقبال على فعل أي شيء.

أعني في عالم يحرق فيه الناس مع كتبهم فقط لتبليغ أحد الجيران عليهم أنهم يمتلكون كتاباً محظوراً، وبالنسبة لشخص يعمل هذا العمل ويقوم بنفسه بحرق الناس وكتبهم، الإطفائي الذي لن أعذب نفسي بالعودة إلى الرواية كي أتذكر اسمه يفشل فشلاً ذريعاً في تفادي الإطفائية.

ليس الأمر وكأن الدولة تراقب الجميع في كل الأوقات، لا يوجد كاميرات في كل مكان مثل 1984 ولا أحد يراقب الناس في نومهم، ولا يوجد خطر فعلي من القراءة بهدوء في المنزل أثناء نوم الزوجة، ولكن الشخصية الرئيسية يفضل الدخول في حالة انهيار عصبي ويبدأ بالحديث وكأنه مبشّر من الكنسية الشيطانية يحاول إقناع الجميع بأن العالم على وشك الانهيار.

شخص يعلم أن زوجته حاولت الانتحار لا إرادياً وقام بإعادتها من الموت باستخدام ماكينة غريبة لا أدري كيف يمكن أن تتوافق مع بقية عناصر القصة المستقبلية يقوم بالحديث مع هذه الزوجة الغبية التي تنام حرفياً وهي تستمع للتلفاز، ويخبرها بأنه يمتلك كتباً.

لماذا؟

لماذا لم يغير أغلفة الكتب فحسب، لماذا لم يقم بتمزيق صفحات منها واخفائها في أماكن متفرقة في كتب متفرقة ومن ثم نقلها إلى مكان آمن على أنها كتب آمنة، لماذا لا يوجد في هذا العالم كاميرات وهواتف محمولة، ولكن يوجد حرفياً ذكاء اصطناعيّ قادر على التعرف على البصمة البايولوجية للإنسان ومطاردته واصطياده…

عدت مجدداً للحديث عن التناقضات الموجودة في عالم الرواية ولكن لا يمكنني فقط التغاضي عن هذا النوع من الكسل وثغرات الحبكة.

“ثغرات” في الحبكة

عندما أنظر إلى الجودة الكتابية لعمل ما، غالبا ما أفصل بين الفكرة، احداث القصة، الطريقة التي ربط الكاتب فيها بين الأحداث، والتفاصيل الأخرى التي ربما تتضمن الشخصيات المقنعة والأماكن التي جرت فيها الأحداث وملائمتها للسياق. وفي هذه الرواية كان كل شيء سيئاً لدرجة يمكنني البدء من أي مكان.

تحدثت في الأعلى عن الشخصيات السيئة والفكرة التي لم تقنعني، وفي الحقيقة لا تمتلك الروايات عادة “merit” سوى في الفكرة التي تحاول تقديمها، على الأقل بالنسبة لي. إن لم يكن الكاتب قادراً على إقناعي بالفكرة وجذبي للاهتمام بأحداثها وفهم تفاصيلها، فلن أكون قادراً على غض النظر عن باقي التفاصيل إن كانت سيئة، ومن هنا ينبع انتقادي الحاد لهذه الرواية.

أحداث القصة في فهرنهايت لم تكن مثيرة للاهتمام، عدا ربما في الفصول الأولى قبل أن تموت الفتاة. في الحقيقة هي الشخصية الأكثر “كويركيّة” وتميّزاً بين شخصيات هذه الرواية. ولكن بعد هذا كل شيء ذهب في مهبّ الرياح.

الفصول التي تلت هذا تنقسم إلى ثلاثة آركات رئيسية، الأول يتعلق بالكتب في منزل الإطفائي، الثاني يتعلق بردة فعله وهروبه، والثالث بلقائه مع مجموعة الفارّين من المجتمع، والذين -وللمصادفة- هم قلّة ولا تكترث بهم الدولة، على الرغم من أنهم يقومون حرفياً بالتآمر عليها كي تنهار.

أذكر كثيراً كلمة الدولة في هذه التدوينة ولكني لا أذكر حقاً من هي الجهة التي يفترض بها أن تكون قامعة للمواطنين، هل هي الشركات الكبرى التي من مصلحتها تحويل الناس إلى مستهلكين أغبياء دون أي قيمة أخرى لحياتهم سوى القيمة الشرائية، أم هي الدولة التي ترغب بالبقاء مسيطرة على الجميع بسبب غبائهم. لا أدري إن كان الكاتب يحاول الحديث عن ديستوبيا رأسمالية أم ديستوبيا سلطوية، أم ديستوبيا رأسمالية سلطوية، ولكن أعلم تماماً انه فشل مهما كان يحاول الحديث عنه.

الإنتقال بين الآركات لم يكن سلسلاً تماماً، على العكس مما يمكن توقعه من رواية في هذا الحجم، مجدداً أعتذر على ذكر 1984 ولكن الانتقال بين الفترات الزمنية المتباعدة في تلك الرواية كان أسلسل بعشرات المرات من الانتقال في فترات زمنية متتالية في فهرنهايت. أعني كيف يمكنك أن تفسد انتقالاً في الأحداث بين مطاردة وهروب إلى مكان آمن… فقط دع الشخصية الرئيسية يقفز في نهر ما، لينتقل إلى مكان ما، ليحدث شيء ما.

ولكن من يكترث لترتيب الأحداث أو الانتقال السلسل، ما يهم أنه أحرق الشيف باستخدام نفس الآلة التي أحرق فيها الكتب سابقاً. هذا كول وإيدجي أليس كذلك؟

بأي حال، ما المطلوب الآن؟

يمكنك قراءة 1984 كديستوبيا جيدة بدلاً من هذا الهراء. الحالة الوحيدة التي انصح فيها بشراء هذه الرواية هي إن كنت تبحث عن كتب لتحرقها أمام منزلك عندما يتحول العالم إلى ديستوبيا تحرق فيها الكتب لتثبت أنك كول لأبناء الحيّ.

هادي الأحمد

هادي الأحمد

المقالات: 9

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *