حلقة

استيقظ، اتحقق من جسدي، لا كدمات ما بعد النوم اليوم، زجاجة الماء بجانب السرير، الستائر المسدلة لا تسمح لي بمعرفة الوقت من مكاني، ولكن الساعة في يدي تشير للسابعة صباحاً. يوم آخر يمر بسلام، لا زلت على قيد الحياة، مازال لدي الكثير لأقوم به، من الجيد أنهم لم يصلوا إليّ اليوم لأن ما أنوي القيام به مهم جداً.
الساعة السابعة والعشرون دقيقة، أقارب على الانتهاء من تمارين الرياضة الصباحية التي احتاجها كي أبقى في حالة جسدية جيدة في حال اضطراري للهروب من هذا المكان أو حتى الدفاع عن نفسي. زجاجة الماء من جديد بجانب السرير، أشرب ما تبقى منها وأضعها تحت صنبور المياه في ركن الطعام في الغرفة، لا داعي لفتح الماء، الصنبور يقطر بانتظام ولا وقت لديّ لإصلاحه، يمكنني ترك الزجاجة مكانها والعودة لاحقاً عند حاجتي للماء لأجدها ممتلئة فوراً. اسراف؟ ربما. الأسراف الأكبر هنا لو أضعت المزيد من الوقت على احتياجات جسدي بدلاً من إنجاز المهمة التي أعمل عليها.
على ذكر المهمة، عليّ بدء العمل عليها الآن، الساعة الثامنة، انتهى وقت الاستيقاظ والاستعداد وحان وقت العمل. صوت أنين حاسوبي المكتبي في زاوية الغرفة يبدو أكثر وضوحاً الآن، كان موجوداً طوال الوقت ولكنه الآن أكثر وضوحاً، أستطيع سماعه من كل زوايا الغرفة، لم يتح لي تنظيف المراوح الداخليّة منذ وقت طويل جداً لذا لا يمكنني التذمّر بشأن صوته العالي، ولكن هذا ليس مجرّد إهمال من طرفي؛ لا يمكنني إيقاف تشغيله الآن، ليس الآن، ربما لاحقاً بعد أن أنتهي من عملي، ولكن حتى ذاك الوقت سيبقى الحاسوب موصلاً بالكهرباء والانترنت، وسيبقى مستيقظاً، وسيبقى نور الشاشة ساطعاً في الغرفة، وسيبقى صوت المراوح يتعالى ما لم يحدث عطل ما.
هل عليّ الانتظار لحصول عطل كي أنظفها؟ لا أحد يجبرني -أو يجبر الحاسوب- على القيام بهذا، ولكن أضع ثقتي في تلك المراوح الصغيرة أنها لن تخذلني، في النهاية هذه وظيفتها التي صممت من أجلها. أتسائل دوماً ما هو شعور الأشياء التي تعلم أنها صنعت لهدف معلوم ومحدد، هل هي أكثر سعادة منّي، أم أنها ترغب بالمزيد من الحريّة؟
الحريّة. سخرية القدر مؤلمة في هذه العبارة، كيف يمكنني الحديث عن الحرية في موقف مثل هذا، لا يمكنني الخروج من هنا، عليّ الجلوس طوال الوقت أمام الشاشة، سواء تلك الضخمة على الجدار، أو هذه الصغيرة الملتصقة بحاسوبي المحمول، محتجز بين الأربع جدران التي تشكّل هذه الغرفة، الخروج من هنا يعني ارتفاع احتمالية عثورهم عليّ، ولا حاجة لي للخروج من هنا، يمكنني الحصول على الطعام بنقرات قليلة، أحدهم يأخذ القمامة من أمام المنزل دورياً، يمكنني دفع فواتيري وأجار منزلي من اتصال الانترنت ذاته الذي يمكنني من خلاله الوصول لكاميرات مثبتة في الخارج تساعدني على ضمان أمن محيط غرفتي. عشر كاميرات في الممر أمام الغرفة، وعشر أخرى تطل على أطراف الشارع المختلفة. أقوم بالتحقق منها أحياناً لأرى ما يقوم به الناس في الخارج، لا شيء مثير للاهتمام، ربما أحياناً يقوم أحدهم بسرقة حقيبة سيدة عجوز ليهرب بعيداً قبل أن يقرر أحدهم اللحاق به، ولكن لا شيء مثير حقاً يحدث.
الأشياء المثيرة تجري هنا، ضمن هذه الجدران، وليس خارجها… هنا يمكنني رؤية كل شيء، في أي مكان في العالم، كل ما عليّ فعله هو أن “أريد” هذا، التنفيذ ليس صعباً حتى لو لم أكن أمتلك أي معلومات مسبقة عن الأمر، هناك شخص آخر فكّر بهذا حتماً، وقام به، ونشر عن تجربته هذه في مكان ما على الآنترنت، أو هناك على الأقل خيط يدلّك على طريق البداية، كل ما عليك فعله هون أن “تريد” والبقية سهلة.
الساعة السابعة مساءً. لازلت أمام شاشة، هذه المرة الشاشة الكبيرة على الجدار، تناولت شيئاً ما على العشاء اليوم، لا أذكر ما كان الطعام ولكنه كان مشبعاً، لست متأكداً إن كان لذيذاً ولكن يمكنني تصوّر أنه لم يكن بهذا السوء، كل الأطعمة لذيذة مقارنة بالأشياء التي كنت أتناولها قبل سنوات، لذا لا اتذمّر من الطعام أبداً.
لا أحد لأتذمّر أمامه بأي حال. لذا لا معنى من التذمر برأيي؛ المهم فقط هو المهمة، الوظيفة التي عليّ القيام بها والانتهاء منها، إن كان عليّ أن أتذمر بخصوص شيء فهو عدم انتهائي من هذه الوظيفة بعد، مازلت في المرحلة الأولى وقد استغرقني الوصول إلى هنا الكثير من الوقت، لا يمكنني تخيل الوقت الذي سأمضيه محاولاً إنهاء المرحلة الثانية، إن كان هذا ممكناً أصلاً.
ولكن عليّ المحاولة، لا أمتلك أي شيء آخر لفعله. هذا والنجاة… أجل عليّ النجاة، هذا أمر مهم، يجب أن لا أترك نفسي دون حماية، ليس وهم في الخارج يبحثون عني، هم السبب الذي وضعني في هذه الغرفة أصلاً، هم الذين سلبوا حريتي عندما قرروا مطاردتي والعثور على مكان اختبائي، هم الذين لا يستخدمون الإنترنت فقط ليبقوني بعيداً عن أي معلومات تساعدني على الهرب منهم، أتخيل أنهم يستخدمون السجلات الورقية والتواصل الشفهي وربما الحمام الزاجل حتى اليوم، فقط ليمتلكوا فرصة أفضل للعثور عليّ.
لا مشكلة، أستطيع إخفاء أثري بالطرق التقليدية أيضاً، يمكنني تغيير مظهري بسرعة، لا أحد منهم يعرف وجهي، وأبقي تفاعلاتي مع العالم الخارجي محدودة، أطلب من موصّلي الطعام تركه أمام الباب والرحيل فوراً دون انتظار خروجي، لديّ مجموعة واسعة من العطور التي استخدمها للتمويه بشكل مستمر، باختصار، أنا خفيّ طالما لا أغادر غرفتي هذه.
من أين لك هذا؟ المال أمر سهل، عليك فقط معرفة الأبواب الإلكترونية التي يجب عليك طرقها لتحصل على الكثير منه، سواء بطرق مشروعة أو غير مشروعة، أخلاقية أو غير أخلاقية. طالما هناك رغبة فهناك حتماً طريقة، المشكلة عادة متعلقة بالوقت، وأنا لديّ الكثير من هذا.
حان وقت النوم، أخرجت القمامة من فتحة صغيرة بجانب الباب، تحققت من الأقفال، نظفت الأرضية، أخذت حماماً سريعاً، شربت ما تبقى من الشاي في الإبريق الذي صنعته صباحاً، استلقيت في السرير على ظهري وتغطيت؛ حرارة الغرفة منخفضة جداً للحفاظ على سلامة المعدات الإلكترونية الموجودة فيها ولكنّي معتاد عليها، لست بحاجة لغطاء سرير ثقيل كي أشعر بالدفئ، يكفي أن الدم لا يزال يسري في عروقي، هذا الشعور وحده يكفي لأبقى دافئاً.
نفس عميق وأغلق عينيّ، النوم سهل أيضاً عندما تعتاده، عليك فقط أن تقنع نفسك أنك متعب حتى لو لم تكن كذلك، كان يوماً تعباً، قمت بإنجاز الكثير من الأشياء، قمت بعمل جيد، حتى لو كنت أعلم في قرارة قلبي أنني لم أقترب حتى من إنجاز أي شيء يستحق الذكر، هذه المسرحية الهزلية الصغيرة قادرة على إقناع جسدي بالنوم.
ظلام فقط. هذا كل ما أراه أثناء نومي عادة قبل أن استيقظ مجدداً وأمشي في نفس الحلقة من جديد، ولكن ليس اليوم.
صخب شديد في غرفتي الصغيرة، أشياء تتحطم، شظايا من الباب تتطاير أمام عيني وأنا مستلق في الفراش، أنوار المصابيح الصغيرة، لا رغبة لي بالنظر حولي، لا أريد أن أراهم، لا أريد أن أرى حاسوبي المحطم، عملي الذي تدمّر تماماً، لا أريد رؤية أي شيء من هذا لذا أبقى مستلقياً في مكاني، رصاصة واحدة كانت كافية لإبقائي نائماً إلى الأبد ولكن كان عليهم التأكد. ربما تأكدوا أكثر من اللازم فمن المستحيل على أي مخلوق العيش بعد تلقيه عشر رصاصات إلى الرأس. لم يعد رأسي موجوداً، وأخيراً القليل من الراحة والصمت، لا يمكنني سماع شيء الآن، ولكن يمكنني الشعور بجثتي تسحب على الأرض، أو ما تبقى من جثتي بأي حال، ومن ثم توضع في كيس بلاستيكي، يمكنني الشعور بملمسه الزلق، وقت طويل قبل أن أصل لمكان بارد، ومن ثم لمكان حار، ومن ثم لا شيء.
اختفيت من الوجود، يمكنني النوم الآن أليس كذلك؟ سأخلد للنوم. هذا كل ما أريده.
استيقظ، اتحقق من جسدي، لا كدمات ما بعد النوم اليوم، زجاجة الماء بجانب السرير، الستائر المسدلة لا تسمح لي بمعرفة الوقت من مكاني، ولكن الساعة في يدي تشير للسابعة صباحاً. يوم آخر يمر بسلام، لا زلت على قيد الحياة، لازال لدي الكثير لأقوم به، من الجيد أنهم لم يصلوا إليّ اليوم لأن ما أنوي القيام به مهم جداً.
انت حباب كتير انا بعرفك من ايام كنت على ديسكود كنا كلنا مشأرئين
عم بتشارك بكل المنصات بس يا خسارة على يوتيوب بتضلك مطموز
بعرف عم بتؤل مين هاد الاجدب على بكرة الصبح