لحظات

أشعة الشمس الدافئة تتأرجح على جسدي مع نسيم الربيع، عبق الأزهار مخلوط برائحة العشب المجزوز حديثاً يتسلل لأنفي مع كل نفس، كحقنة من الذكريات والسكينة أشعر بحركته في عروقي ليملأ قلبي المرتبك.

عيناي مغمضتان ولكن نور الشمس أقوى من جفنيّ الرقيقين، تحجبه السحب العابرة لثوان والطيور المرفرفة للحظات قليلة محاولةً إعادتي إلى الحاضر دون جدوى.

جدتي وضعت الطعام للتو، يمكنني الشعور بدفء الحساء على شفتاي، ورائحة النعنع البريّ تجتاح كياني. استطيع تذوقه وارتشافه وغمس اصابعي فيه، من الصعب التصديق أنها مجرد ذكرى حدثت قبل سنوات.

أنا هنا منذ ساعات، تحت أشعة الشمس، استمتع بهذا اليوم الجميل، اتصفح ذكريات الماضي، لا شيء ليفسد لحظاتي هذه سوى صراخ الناس حولي في الحديقة وذاك الصوت اللعين، ولكن لا مشكلة، فالأصوات قلت مقارنة بساعات الصباح الأولى وتناقص عدد الناس الموجودين في الحديقة.

الصوت لا يزال موجودًا بأي حال، وربما ارتفعت حدته مقارنة بالسابق… ولكن هذا لا يهم، فقد غطتني أمي بغطاء سريري المفضل، وها هي تغني أغنيتي المفضلة لتخفي خلف جمال صوتها ألم ذاك الضجيج.

تباطأت ضربات قلبي مع كل جملة، وازداد عمق انفاسي مع نغمة وارتعاش في صوتها… في تلك اللحظة عادت لتكون بجانبي، لتبعدني عن ضجيج العالم، لتخبرني أن كل شيء على ما يرام.

ابتسامتي الأولى منذ وقت طويل، لا أدري إن كان سببها السكون الذي أعيشه الآن، أو عقلي الذي يسخر من هذه اللحظات بكل ما فيها.

لم يعد هناك أحد في الحديقة، ولكن النسيم واشعة الشمس لا يزالان يلعبان لعبتهما الصغيرة بمرح، لماذا قد يترك أحدهم الحديقة في يوم كهذا ويفوّت على نفسه هذه التجربة… ربما بسبب الصوت المزعج، ولكن بإرادة كافية يمكنك نسيان وجوده أصلا – على الرغم من تحوله لصوت أشبه بزئير الطائرة في اللحظات الأخيرة.

شعرت بأصابع زوجتي تتخلل ما تبقى من شعري القصير، أحسست برأسي يغرق في حضنها وبعطرها يعانق رئتاي، تذكرت قبلتنا الأولى ولقاءنا الأول، تذكرت جدالنا الكبير حول إنجاب الأطفال، ربما حاولت إقناعها حينها بأننا سنكون أبوين جيدين، ولكن حالفنا الحظ على ما يبدو… لم تنجب زوجتي… لربما لو أنجبت لما كنت قادرًا على عيش هذه اللحظات الآن.

لم يعد الصوت محتملاً… لا يمكنني تشبيهه سوى بزئير طائرة عملاقة تحوم فوق رأسي…

اختفت أشعة الشمس منذ دقائق دون أن تعود، والصوت المزعج لم يعد قابلا للاحتمال…

فتحت عيناي…

وصل النيزك… ما هي إلا لحظات ويخـ…

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: