اتحاد المدونين العرب

في الحقيقة عندما نشرت المنشور لأول مرة على صفحتي على فيسبوك لم أكن أقصد الأمر بجدية، ولكن في بعض الأحيان قد تحمل بعض المزحات أفكار جيدة فعلاً تستحق على الأقل تقليبها جدياً مرة أو مرتين، أو ربما الحديث عمّا يجعلها محط سخرية، والمشكلة التي تمنعها من التحقق.

عودة للمنشور مجدداً، الدافع وراء استهزائي بالفكرة كان متعلقاً بالاستغلال الشخصي لأي مبادرة، مهما بدت غيريّة من بعيد، ومهما كان المسؤول عنها موثوقاً. إجابتي في ذاك المنشور على الأسئلة المتعلقة بالهدف من هذه المبادرة كانت “سأستخدمها لأروج مدونتي” وهذا كان رأيي المبدأي بالفكرة.

بالنسبة لمصدر هذه الفكرة، في الحقيقة ليس مكاناً واحداً بل تقاطعا لبعض الأفكار: أولاً تعليق أحد الاصدقاء بخصوص “وجود نقابة او اتحاد للمدونين لضمان الحقوق بشكل عام” ومشاهداتي في مجموعة فيسبوك للفريلانسرز حيث لا تنظيم ولا تعاون فعلي بين الأعضاء وتجربة سابقة في تجمع لصناع المحتوى كان هدفه كما كانت النكتة؛ الترويج لأعمال المشرف.

لأكون عادلاً تماماً، لا اعتراض لدي على ترويج شخص لنفسه طالما كان الأمر منطقياً وكان هو نفسه يقدم أمراً “عدا عن إدارة مكان التجمع” للمشتركين.

ولكن هذه ليست الحالة عادةً.

بأي حال، هذا المقال ليس عن شكوكي وتساؤلاتي حول فكرة تجمع او اتحاد للمدونين العرب، وإنما عن رغباتي وتطلعاتي نحوه. سأحاول تقديم المشاكل واحدة تلو الأخرى وحلولي المقترحة لها، وما أتمنى حصوله في حال وجود تجمع مشابه مستقبلاً.

النقطة الأهم: القيادة

استغلال التجمع للأغراض الشخصية ونقل الخلافات الخاصة إلى التجمع لتؤثر على أعضائه وقدر استفادتهم منه هما خوفاي الرئيسيان. وكلاهما قابلين للحل بتوزيع السلطة على مجموعة من الأشخاص.

ولكن ما يوازي هذا أهمية هو الطريقة التي سيتم فيها اختيار هؤلاء، إن كانوا مجموعة. من الأشخاص ذوي الدوائر المتقاربة جداً فلن يكون هناك فائدة من توزيع السلطة بينهم، وإن كان اختيارهم بالكامل من طرف “مخطط التجمع” او “صاحب الفكرة” او “بادئ المبادرة” أو ايا كان اسمه، فلن يكون الحل ناجعاً.

يجب اختيار هؤلاء بناء على قدرة كل منهم على الإضافة للقيادة، وعلى قدرة كل منهم في موازنة اتخاذ القرارات كي لا تؤثر سلباً على التجمع ككل، وعلى قدرة كل منهم في منع البقية عن استغلال السلطة.

أكرر كلمة السلطة هنا وكأن رئاسة تجمع مشابه بمستوى رئاسة الجمهورية، ولكن تبريري لهذا أن “اتحادا للمدونين العرب” بمعناه الحقيقي سيضع ثقلاً هائلاً على السوق وسيؤثر إما سلباً أو إيجاباً على مستقبل أعضائه، لذا من المهم اختيار مشرفين كفؤين له.

وهذا يأخذني للنقطة الثانية؛

المهام

إن كان الهدف من إنشاء اتحاد للمدونين العرب هو إقامة مجموعة فيسبوك ينضم لها كل من كتب يوماً في مدونة ما، فلا داعي لهذا المقال أصلاً. يمكنني إنشاء مجموعة مشابهة في خمس دقائق يحتسب منها زمن اختيار الصورة البارزة للمجموعة.

اتحاد حقيقي للمدونين لا يعني فقط جمعهم في مكان واحد، بل العمل على حماية حقوقهم وتوفير الأدوات لهم والعمل على تنظيم عملهم ودعمهم للحصول على أعمال أفضل أو صناعة محتوى أفضل.

تجمع كهذا يجب أن يتضمن قوائم “بيضاء” و”سوداء” لمواقع ومدونات عربية تحترم أو تستغل العاملين فيها، ويجب أن يكون المشرفون عليه شجعاناً بما يكفي للتضحية بأعمال مستقبلية مع هذه المواقع والمدونات السيئة.

يجب أن يتضمن أيضاً قوائم أجور متاحة للجميع ليعلم المدونون متوسط أسعار السوق كي لا يَظلموا ولا يظُلموا، على الأقل الأسعار العامة في المجالات الرئيسية كالتقنية والسياسة والطب.

ويجب على هذا الاتحاد أن يحمي حقوق أعضائه ويبحث عن حلول لمشاكلهم مع المواقع الكبرى على الأقل او يدفع هذه المواقع لتحسين ظروف العمل فيها.

ويجب نهاية أن يوفر بيئة جيدة للتعرض للانتقاد والنقد، ليس فقط لتبادل المجاملات والكلام المعسول، ليكون المدون قادراً على تطوير نفسه، دون الوقوع في دورة من المجاملات التي لا طائل منها.

وربما من البديهي أيضاً ان يكون التجمع مصدراً ومكاناً لمعرفة أحدث الأدوات والتقنيات المهمة في هذا المجال ووسيلة لتسهيل وصول الجميع إليها، سواء من أدوات دراسة الكلمات المفتاحية إلى أدوات التنظيم وغيرها.

الأعضاء

النقطة الأصعب في بناء أي تجمع “مغلق” كاتحاد التدوين هذا هو في معايير قبول الأعضاء، بينما يمكن تحديد المهندس من غير المهندس بسهولة بسبب “شهادة الهندسة” لا يمكن تحديد المدون من غير المدون عبر “شهادة التدوين”. في الحقيقة، كلمة التدوين التي استخدمها شخصيا كمصطلح واسع يشمل كل الكتابة على الانترنت خارج شبكات التواصل الاجتماعية، هو مصطلح غير متفق عليه أصلاً.

أحد الأصدقاء يعرف التدوين على أنه “الكتابة الشخصية” بينما أعرفه أنا بالكتابة على الانترنت خارج السوشال ميديا، ويعرفه آخر ربما على أنه الكتابة في أي موقع دون استثناء. وهذا من آثار عدم وجود نظام موحد أصلا يضبط المصطلحات.

التدوين بمعنى الكتابة الشخصية أو الكتابة التقنية أو الكتابة الطبية أو الكتابة الإبداعية أو كتابة الإعلانات أو كتابة النصوص للفيديوهات أو كتابة محتويات المواقع أو كتابة صفحات التعريف أو غيرها…

كل هذه المجالات التي تندرج تحت العمل بالكتابة عبر الانترنت، والذي أسميه تجاوزاً هنا بالتدوين، لا يمكن تعريفها بخطوط واضحة كفاية تسمح بأخذ القرار بخصوص من سيكون مقبولاً في التجمع ومن سيرفض دخوله.

فتح الدخول للجميع ليس متاحاً أيضاً.

الحل الوحيد هو طلب “إثبات” عمل سابق، ولكن ماذا عن المدونين الجدد أو الغوست رايترز أو من يكتبون بأسماء مستعارة. كيف يمكن التأكد أصلاً أن من يطلب الدخول هو الشخص نفسه صاحب الأعمال دون وجود نظام يسمح بهذا.

يمكن الاكتفاء بما “يمكن رؤيته” فقط من تأكيد الهوية، ولكن على المدى البعيد، وعند ازدياد تأثير مجمع مشابه، هل سيكون هذا كافياً.

حسناً ربما هذه المشكلة أبعد مما يجب علينا التفكير فيه الآن بأي حال، فلا تجمع حقيقي من هذا النوع موجود بعد.

عودة للبداية

شخصياً سأكون أول المشتركين في تجمع كهذا، سواء كان منظماً على منصة تواصل اجتماعي مثل فيسبوك أو على منتدى خاص أو موقع خاص بالمبادرة. حتى ولو لم تكن كما أتصورها تماما أو كانت ببساطة مجموعة فيسبوك لا تواجد ثقيل لها في سوق العمل.

أتمنى في السنوات القادمة وجود ساحة يمكن للمدونين فيها تبادل انتقاداتهم واراءهم بخصوص التدوينات والمدونات، أو ساحة يمكن فيها للمبتدئين معرفة الأسعار العادلة والظالمة في السوق، دون الحاجة للتجربة والفشل.

9 تعليقات

  1. يبدو أن لديك تجربة سيئة في مبادرة ما سابقًا، وأتفهّم ذلك جيدًا لأن لدي تجارب عديدة ولدى بعض الزملاء أيضًا، لكن الأهم وما اعجبني هو العناصر التي ذكرتها في التدوينة عن القيادة والأعضاء إلخ، شيء واحد فقط اثار استيائي وهو أن يكون الاتحاد داخل مجموعة على فيس بوك، نحتاج إلى الخروج من قوقعة شبكات التواصل الاجتماعي التي ظلمت التدوين والمدونين في السنين السابقة.
    شكرًا جزيلًا على التدوينة وسوف استعين بها في مشروع الفهرست ومشروع اخر اعمل عليه مع بعض المدونين.

    • في الحقيقة، لا تجارب سابقة في تجمعات المدونين، ولكن في تجمعات أخرى أجل.
      بالنسبة للفيسبوك، ذكرتها كطريقة “سهلة يمكنن للجميع القيام بها” وليس كطريقة مقترحة. بالطبع، لو كان الاتحاد قائماً لتوجب بناء منصة فعلية له، ولتوجب أن تتضمن ميزات ملائمة لحاجات المجتمع وليس “استخدم ما يمكن استخدامه” كما في مجموعات الفيسبوك.
      بالتوفيق في مشاريعكم المتعلقة بالتدوين، سأبقى متابعاً لها عن كثب إن شاء الله.

      • اكتب لنا بعض الدروس المستفادة من هذه التجمعات والمجتمعات التي فشلت بسبب الفردية وتضارب المصالح، توثيق مثل هذه الأمور مفيدة جدًا للشباب الجدد في هذه المجتمعات، شكرًا جزيلًا لك ونتمنى ان نراك معنا في الفهرست وغيره 🙂

  2. من فضلكم بانتسظار موعد بدأ دورة تدريب الكفار بالهيئه العامه \
    واﻻوراق المطلوبه

اترك رداً على Hadeإلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *