أفكّر بجعل سلسلة “ماذا عن” سلسلة مقالات دورية في مدونتي الشخصية عن بعض الأفلام والمسلسلات والأنميات التي أشاهدها والتي لا أرغب في الكتابة عنها في أحد المواقع الأخرى التي أكتب فيها عادة. غالبا سيكون السبب في هذا نوع المحتوى الذي سأكتبه وعدم رغبتي بالتزام “الاحترافية” في الحديث عن هذه الأعمال، لذا من الجيد وجود مدونة شخصية لهذا النوع من المقالات التي تقارب تفريغ الرأي بدلاً من “التقييم الاحترافيّ”.
مرّ على مشاهدتي لمسلسل شيرلوك (وأقصد هنا شيرلوك الذي يتضمن بينيديكت كامبرباتش) حوالي الشهر تقريباً، ربما أقل من هذا بكثير، ومرّ على قراءتي لروايات شيرلوك ربما عشرات السنوات. لم أقرأها جميعها لأكون صريحاً ولكن قرأت ما فيه الكفاية ليخيب أملي من المسلسل، وهذا هو المهم.
بصراحة ربما سبب خيبة أملي في الأصل هو بدايتي للمسلسل وأنا أتوقع أمراً مميزاً أكثر من اللازم… أعني أليس هذا من الطبيعي عند الحديث عن سلسلة تم قتلها اقتباساً في الأنميات والمسلسلات والأفلام السينمائية والرسوم المتحركة وألعاب الفيديو وكل نوع ممكن من الميديا. بأي حال، ربما لم يكن كل هذا كافياً لينتهي الأمر بسلسلة شيرلوك التلفزيونية كي تكون قابلة للمشاهدة.
لذا فلنختصر المقدمة التي طالت بما فيه الكفاية ولنبدأ بالكلام عن شيرلوك.
أسوأ من أقرب شيء إليه، شيرلوك المسلسل مقابل شيرلوك الفيلم
روبيرت داوني جونيور أم بينيديكت كامبرباتش. كلاهما يمثّلان في أفلام مارفيل وكلاهما مثّلا شيرلوك هولمز. ولأكون صادقاً كلاهما قاما بعمل جيد في تمثيل الشخصية إن تركنا خزعبلات كامبرباتش وتلويحه بيديه في الهواء جانباً. أعني أجل أتفهم تحويل شيرلوك إلي بطل خارق إيدجي نرجسيّ بالطريقة التي قام بالمسلسل بهذا بها، ولكن هل كان من الضروريّ إضافة هذه الحركات، الكلمات المتطايرة على الشاشة وتلويحه بيديه ليتحكم بأفكاره المتطايرة حوله.
ربما كان هذا من الضروري، لا أكترث، في الحقيقة هذا ليس مهماً ولم يكن مشكلة أصلاً برأيي.
هناك العديد من الفروقات بين العملين، ربما البداية الأفضل ستكون بالحديث عن طريقة الاقتباس التي اعتمدها كل من العملين. الفيلم في الكفة الأولى يقتبس الشخصيات بطريقة جيدة جداً، ويضع “تبهيرة” جديدة على القصة على الرغم من حدوثها في نفس السياق الزمني الذي حصلت في السلسلة الأصلية. ربما هناك بعض التفاصيل المستعارة والتي قدّرتها على الرغم من عدم اطلاعي على كامل سلسلة شيرلوك هولمز القصصية، ولكن بشكل عام كانت روح الفيلم مستقلة بذاتها، تستعير ولا تقتبس حرفياً.
ربما المعادلة السحرية في هذا النوع من الاقتباسات، الاقتباسات التي تستعير للمرة المليون من مصدر ما، هو أن تنتقل إلى أجواء جديدة وتحاول بعث روح مختلفة في المادة الأصلية، أو على الأقل هذا رأيي حتى الآن بعد مشاهدة الفرق بين العملين.
في المسلسل الاقتباس مختلف كثيراً. الأحداث تجري في زمن قريب إلى زمننا، هناك حواسيب وهواتف، وسيارات وقنابل لاسلكية، وأسلحة نارية وكاميرات مراقبة في كل مكان. ولكن بنفس الوقت يحاول المسلسل تقديم نفس الجرائم الموجودة في الروايات الأصلية، أو على الأقل يحاول تقديم “إصداراتها العصرية” مستعيناً أحياناً بالقصص بشكل حرفياً مع تبديل التفاصيل بتلك المقابلة لها من الوقت الحاليّ.
ربما تعتقد هنا أن الحلقة الوحيدة التي قام المسلسل فيها بالانتقال إلى الزمن القديم ليعرض الأحداث من الحقبة الأصلية التي كتبت فيها الرواية هي الحلقة الأفضل. ولكن على العكس، هذه الحلقة هي الأسوأ دون منازع في المسلسل كله. في هذه الحلقة بدلاً من التركيز على الأجواء الأصلية للرواية قرر المشرفون على العمل أياً كانوا أن يحوّلوا الحلقة إلى “القوة النسوية” لنبش جثة عمرها مئة سنة تقريباً “لدعم حقوق المرأة”.
من يكترث بهذا بأي حال. المشكلة الرئيسية بطريقة الاقتباس وليست فقط بالتفاصيل.
ولأكون واضحاً؛ المسلسل كان فعلاً سيئاً، ولم يضف أي شيء مميز حتى الموسم الأخير. تابعت الحلقات الأولى جميعها وأنا شبه مدرك لكون ما أشاهده لن يكون ذا تأثير جيد على خلاياي الدماغية، أو ما سيتبقى منها بعد الانتهاء منه على أي حال. بينما الفيلم وعلى الرغم من نواقصه العديدة التي سأتجاهلها جميعها في هذه التدوينة، كان على قدر من الاحترام لما تبقى من الخلايا الدماغية الموجودة لدي.
شيرلوك ليس بطلاً خارقاً.
متى سيدرك صناع الأفلام أنه ليس من الضروري تحويل كل شخصية مشهورة إلى بطل خارق. وأعني هنا حرفياً إلى بطل خارق. عندما تنتقل قدرات شيرلوك على التحقيق من “اه يمكنني فعل هذا ربما” إلى “ديوس إيكس محقق” ربما على شركة الانتاج التفكير من جديد بشأن التصنيف الذي يجب إدراج المسلسل ضمنه.
شيرلوك هولمز لم يكن شخصية اعتيادية بالأصل، ولكن من اقتباس للآخر يبدو أنه يتحول من كائن بشريّ بقدرات عقلية مميزة إلى كائن خارق قادر على فعل أشياء لا يمكن للآخرين القيام بها. بنفس الوقت يتحول واتسون من طبيب مساعد يستطيع على الأقل متابعة حديث مع شيرلوك إلى شخصية غبية لا عمل لها سوى التعرض للإهانة من طرف واحد دون أي فائدة.
الدوكتور واتسون شخصية مميزة جداً في سلسلة شيرلوك هولمز، ولكن الهدف الرئيسي والأكثر وضوحاً الذي تخدمه هذه الشخصية هو توضيح ميزان القوى بين الشخصيات، واتسون أذكى بكثير من رجال الشرطة، وهو قادر على حل جزء من الجرائم، أو على الأقل العثور على بعض الأدلة، ولكنه في نفس الوقت عاجز على حل الكثير من المشاكل أمام شيرلوك الذي يستطيع رؤية ما لا يستطيع غيره، حتى الأذكياء مثل واتسون.
في المسلسل ميزان القوى هذا مفقود بالكامل بسبب غباء واتسون، بينما في الفيلم يمكن لواتسون على الأقل المساعدة في التعرف على زمن الوفاة والأشياء الطبية الأخرى.
في الفيلم كان شيرلوك شخصية مميزة، ولكن في نهاية المطاف كل ما يقوم به شيرلوك في الفيلم محدود ضمن حدود الشخصية وأجواء الفيلم، هناك القتالات وقدرته على توقع نتيجتها والذاكرة القوية ودقة الملاحظة وسعة الحيلة، ولكن كل هذه الصفات وعلى الرغم من أنها موجودة بشكل “مبالغ به” إن صح التعبير، إلا أنها جميعها واقعية في السياق التي جائت فيه.
في المسلسل الأمر مختلف تماماً. حدود قدرات الشخصية غير مرسومة بشكل واضح، هناك مشكلة ضخمة في ميزان القوى بين شيرلوك وواتسون. وهناك الكثير من المشاكل في تخطي دقة الملاحظة وتحول الأمر إلى قدرة خارقة يمكن له من خلالها توقع حتى ما لا دليل قاطع عليه. ناهيك عن قدرته الخارقة بالانتقال من مكان لآخر بشكل آنيّ دون أي شرح لما يحدث.
بأي حال، هذه ليست المشكلة الوحيدة عند الحديث عن الشخصيات وطريقة اقتباسها في المسلسل. هناك آيرين آدلر التي تحولت من أجمل فتاة لا يمكن وصفها إلى امرأة في الأربعينيات. أعني أجل كانت جميلة أيضاً في المسلسل ولكن بعض التفاصيل لا يجب التخلي عنها. مورياتي بغلاف القاتل المتسلسل المجنون لم يكن موفقاً أيضاً… في الحقيقة الشخصية الوحيدة التي شعرت أنها ملائمة كانت شخصية مايكروفت أخ شيرلوك، وربما سبب إعجابي بالحلقات الأخيرة من المسلسل هو وجود هذه الشخصية فيها.
قصة بوليسية دون أشغال بوليسية
لا أصدق أنني أقول هذا عن اقتباس لشيرلوك هولمز، ولكن أين العمل البوليسي بحق الجحيم.
العمل البوليسي أو الأشغال البوليسية هي الصفة الأهم في الأعمال الفنية البوليسية التي تميزها عن بقية الأعمال، عليك أن ترى المحقق في العمل، كيف يتعقب الأدلة وينتقل من احتمال للآخر حتى يصل في النهاية إلى الحكم القاطع ويعثر على المجرم. في شيرلوك هولمز الفيلم كان الأمر ممتازاً من هذه الناحية، شيرلوك يحزر ويخطئ، يبحث ويعثر على أدلة. وفي نفس الوقت يكون المشاهد قادراً على متابعة ما يحدث معه كشخصية دون أن يشعر “متروكاً” خارج الأحداث.
في المسلسل الأمر مختلف تماماً، شيرلوك في عالم آخر، الأحداث والادلة تجري في عالم داخل رأس الشخصية دون أن يكون المتابع قادراً على لمح أغلبها. هناك الكثير من التفاصيل التي تخرج من اللامكان فقط لتحرك القضية، والعمل البوليسي الفعلي مقتصر على بعض اللحظات التي بدورها أيضاً لا تمتلك الكثير من الفائدة للمتابع.
لأكون صادقاً تماماً هذا نوع من “الفان سيرفس” الذي يشاهد الناس من أجله الأعمال البوليسية، هناك نوع من الراحة النفسية أو الرضى الذي ينبع من “كان من الممكن أن ألاحظ هذا لو كنت مكانه” أو “أعتقد أن فلاناً هو القاتل بناء على الدلائل الموجودة أمامنا”. الأعمال البوليسية الجيدة تسمح للمتابع عادة بأن يدخل نفسه في الأحداث ويكون قادراً على توقع ما سيجري فيها، والأعمال البوليسية الممتازة تترك أدلة مضللة تقود المتابع في الطريق الخاطئ للمرة الأولى ولكنها تظهر على حقيقتها بلسان الشخصية الرئيسية.
في الحلقات الأولى من شيرلوك لم تكن التفاصيل البوليسية بهذا السوء، ولكن مع تقدم الوقت أصبح الأمر أقرب وأقرب إلى القوة الخارقة كما ذكرت قبل قليلاً، بدلاً من أن يكون معتمداً على العمل البوليسي الجاد وتعقب الأدلة.
وهذا يقودنا إلى نقطتي الأخيرة.
“مغامرات” شيرلوك هولمز
الفيلم عبارة عن مغامرة، وهذا أكثر ما يجعله رائعاً بنظري. شيرلوك وواتسون والشخصيات المحبوبة الأخرى التي عرفناها دوماً في مكان واحد تقوم بالأشياء التي تقوم بها عادة ولكن في سياق أحداث حماسيّ ومتغير دوماً. هناك دائماً شيء على المحك وهناك دائماً تفاصيل عليك متابعتها. بينما في المقابل لم يقم المسلسل بهذا على الإطلاق.
المسلسل لا يعتمد على عنصر المغامرة على الرغم من أن شيرلوك يضع نفسه في طريق الخطر أكثر من مرة في المسلسل. السبب في هذا أن المغامرة لا تقتصر فقط على المشي في طريق خطر، ولكن يجب أيضاً أن تكون ممتعة، إن لم يكن للشخصية التي تخوضها فعلى الأقل يجب أن تكون ممتعة للمتابع.
وأجل، ربما تكون الخزعبلات العلمية المزيفة وتلويح اليدين والركض في شوارع لندن مغامرة كافية وممتعة لبعض المتابعين، ولكن هل يمكن مقارنة هذا بأحداث الفيلم، حتى تلك الأكثر بروداً فيها. هل لقاء شيرلوك بأيرين أدلر في المسلسل مقارباً حتى في الاندفاعية التي قدمها الفيلم.
في النهاية، ربما يكون عدد الحلقات والمدة التي يجب على كل من العملين تغطيتها هو السبب الرئيسي في كونهما مختلفين تماماً، ولكن ما لا يمكنني التغاضي عنه هو تحويل تحفة فنية بوليسية إلى كتلة من الملل، تترك المشاهد خارجاً وتقتل الروح الأصلية للعمل بدم بارد.
نصيحتي لمن يرغب بمشاهدة هذا العمل: لا تشاهده. شاهد الأفلام بدلاً منه.