كي أكون واضحاً من البداية، هذا المقال عن المسلسل الإسباني La Casa De Papel، ولكنه لن يكون مقتصراً على هذا العمل، لذا في كل فقرة سأذكر عملاً سأركّز عليه، سأحاول قدر الإمكان تجنب حرق الأحداث من تلك الأعمال ولكن في بعض الأحيان لن يكون هذا ممكناً. لذا، فلنبدأ الحديث عن هذا المسلسل الطويل مع مقال طويل.
شاهدت الموسم الأول والثاني من المسلسل إضافة لثلاث حلقات من الموسم الثالث في ثلاث جلسات على ثلاث أيام متتالية، السبب الوحيد الذي دفعني لمشاهدة المسلسل بهذه الطريقة هو وجود أحد الأصدقاء معي طوال فترة المشاهدة وكون مشاهدة هذا المسلسل “رهان” بيني وبين صديق آخر، وليس كون المسلسل قادراً على جذبي للمتابعة حلقة تلو الأخرى.
التجربة لم تكن سيئة بوجود وائل، حوالي العشرين ساعة من الضحك والمقارنات والتركيز بالأحداث، ربما أكثر من اللازم، إلى أن وصلنا لنهاية الموسم الثاني. ولكن لم أكن لأحتمل هذه التجربة لولا وجوده أبداً.
الحلقات الأولى من الموسم الثالث شاهدتها وحيداً وربما يفسر هذا عجزي عن المتابعة. ولكن لا مشكلة، فالجزآن الأول والثاني هما “الأفضل” بحسب تعبير كل من شاهد المسلسل، وعليهما أكتب هذا المقال.
بأي حال، يكفي الحديث عن ظروف المشاهدة، ولنبدأ الحديث عن طبقات الجحيم السبعة التي مررنا بها أثناء مشاهدة هذا المسلسل.
طبقة الجحيم الأولى: التمطيط
السبب الذي يجعلني أفضل مشاهدة الأنمي عادة على غيره من الميديا هو الوقت القصير لعرض الحلقات، حلقة الأنمي التقليدية لا تتعدى العشرين دقيقة، هذه المدة تحترم المشاهد والكاتب كلاهما برأيي، وهي مثالية لبناء حلقة دون الحاجة للتمطيط أو الحشو. بالطبع هناك أنميات تفشل في استخدام العشرين دقيقة هذه وتعرض الأحداث باستعجال زائد أو تباطؤ، ولكن العادة أن الأنميات تنجح في حصر الأحداث ضمن العشرين دقيقة دون مشاكل للطرفين؛ الكاتب ينجح في جذب المشاهد للحلقة التالي، والمشاهد يحصل على أحداث مهمة فعلاً ضمن هذه الدقائق.
المسلسلات مختلفة عادة، هناك الكثير من الضغط الموضوع على الكاتب والكادر لتحويل أحداث الحلقة إلى ما يملأ الساعة أو الأربعين دقيقة بأكملها. لست متأكداً من السبب الذي يجبر المسلسلات على أخذ الجانب “الأطول” من فترات العرض ولكن تخميناتي تتراوح بين نظام عرض هذه المسلسلات على الشاشة الصغيرة عادة، والحاجة لعرض الكثير من الإعلانات ضمن الحلقة نفسها للحصول على عائد مقبول من الشبكة التي اشترت الحقوق، والطريقة الأسبوعية التي تعرض فيها المسلسلات عادة والتي تعطي للمشاهد فرصة للراحة بين الحلقة والأخرى.
الأنميات تعرض على التلفزيونات أيضاً، ولكن الطريقة التي تعرض فيها والطريقة التي تصنع فيها والطريقة التي توضع فيها الإعلانات ضمن هذه الأنميات مختلفة، وهذا سبب رئيسي في اختلاف طول الحلقة الواحدة بين الوسطين.
بأي حال، أياً كان العذر، التمطيط مرض موجود في أغلب المسلسلات التي شاهدتها – عدا عن بعض المسلسلات الـ Episodic كالـ Dr. House مثلاً حيث تكون قصة كل حلقة مفصولة وقابلة للمشاهدة وحدها.
في لا كاسا دي بابيل يمكنك غالباً مشاهدة النصف الثاني من كل حلقة رقمها فردي والحصول على نفس التجربة التي حصلت عليها أنا من مشاهدة المسلسل بالكامل، الطريقة التي بني فيها المسلسل تضع النصف الأول من كل حلقة في سلة المهملات، بين اعادة أحداث من الحلقة السابقة أو تمهيد للحدث الفعلي الذي تتمحور حوله الحلقة. أما بالنسبة لتخطي حلقة من كل حلقتين، فالأمر بسيط فعلاً؛ لن يفوتك شيء، الأحداث موزعة بطريقة متراخية لدرجة قد تمر حلقة كاملة دون أي حدث مهم للقصة.
هذا إضافة لعشرات المشاهد “السينمائية” المحشوة باللقطات الصامتة دون هدف، الصور المقربة على الوجوه، التحريك البطيء للكاميرا، لقطات الحركة البطيئة والكثير الكثير من الأدوات الأخرى التي من المفترض أن تشعرك بالـ”فنيّة” ولكن استخدامها هنا ببساطة لم يكن لهدف فنيّ، وإنما لهدف زيادة وقت العرض.
الأحداث ذاتها ليست بتلك الأهمية أيضاً، بغض النظر عن الخيارات الإنتاجية التي من الممكن الجدال حول كونها ذات تأثير فنيّ أم لا، الأسلوب القصصي المتبع ليس قادراً على بناء تصاعد الأحداث بما فيه الكفاية في الحلقة الواحدة لتكون جاذبة لمتابعة الحلقة التالية، في كثير من الحلقات السبب الوحيد الذي دفعني لمشاهدة الحلقة التالية هو ببساطة أنني أرغب بإنهاء المسلسل في أسرع وقت لأستطيع متابعة حياتي دون خسارة الرهان.
ولكن توزيع الأحداث وتسارعها -أو تباطؤها إن صح التعبير- ليست المشكلة القصصية الوحيدة في هذا المسلسل.
طبقة الجحيم الثانية والثالثة والرابعة: الشخصيات
ربما أدق ما يصف شخصيات هذا المسلسل هو أن الكاتب امتلك في مخيلته تصوراً لما يمكن أن تكون عليه الشخصيات “الكوول” و”الباداس” وكتب عنها قصة، وليس بطريقة جيدة. هناك العديد من الأعمال في مختلف أنواع الميديا تلعب على وتر الأشياء المبالغ فيها و”الكوول” بطريقة جيدة، من العاب الفيديو مثل Wolfenstein وDoom وDuke Nukem وSerious Sam والأنميات مثل Kill La Kill وأغلب أعمال فريق تريغر والأفلام مثل Oceans’s Eleven وEscape from New York وTerminator وأي فيلم تقريباً من تمثيل ستيفن سيغال.
الفرق بين هذه الأعمال وبين لا كاسا دي بابيل أن الشخصيات الرئيسية في كل الأعمال السابقة تنتمي للقصة، وأن القصة بذاتها مصممة لتكون رائعة ومبهرة، وليس لتكون واقعية – ولنضع الأمور ضمن المقارنة سأكون مخلصاً لعنوان المقال وأتحدث عن Ocean’s Eleven وكيف ينجح في ما فشل فيه لا كاسا دي بابيل.
لنبدأ من الأشياء التي تبرر المقارنة: كلا العملين عن سرقة ضخمة، كلا العملين يتضمن 11 شخصية -إن أزلنا أوسلو الذي لا يمتلك أي أسطر حوارية أصلاً أو تأثير على القصة- وكلاهما يعرضان هذه الشخصيات على أنها “مميزة” في مجالاتها الخاصة، كلاهما أيضاً يحاولان إبهار المشاهد. الفروقات؟ حسناً فلنبدأ الحديث عن هذا.
مَن؟
لكل شخصية في أوشنز وظيفتها الواضحة، ولوجود كل واحد منهم، إبتداءاً من مخطط العملية وحتى اللص النشّال الصغير دور، في التخطيط وجمع المعلومات والتنفيذ. هم 11 شخصية لكون الخطة تحتاج فعلاً 11 شخصية للتنفيذ.
في لا كاسا، الأمر مختلف.
- البروفيسور: العقل المدبر للعملية.
- موسكو: من سيحفر النفق. وجرّ ابنه معه إلى العملية، لن أناقش هذا هنا وسأقبل أنه سبب منطقي لوجود شخصية.
- ريو: الهاكر العظيم الذي يستطيع اختراق الأنظمة الأمنية باستخدام الأوتوكاد، على الرغم من عدم حاجتهم لقدراته هذه طوال العملية وكان من الممكن بقاؤه في الخارج – في الجزء الثالث يستبدل ريو بالكامل عن طريق فريق مخترقين في دولة أخرى، ما يؤكد أن وجوده ضمن السرقة غير مهم. ولكن بسبب إصرار طوكيو أيضاً وبسبب قبولي لجرّ دينفر إلى العملية بسبب أبيه، سأقبل أيضاً جر ريو إلى العملية بسبب طوكيو مبدأياً.
- نيروبي: تشرف على عمل الماكينات.
- برلين: يشرف على العملية بأكملها والسيطرة على الرهائن.
- هلسينكي وأوسلو: العضلات.
- طوكيو؟ لا أعتقد أن الكاتب نفسه يعلم سبب وجودها سوى أن دخولها للقصة كان Epic ويظهر البروفيسور على أنه شخص خارق.
أيضاً، في خطة البروفيسور المحكمة، لم يكن هناك مكان لخبير طبيّ في المجموعة، على الرغم من وجود الإصابات ضمن خطته – على الرغم أيضاً من قدرته على إحضار طبيب في وقت متأخر من العملية بمبلغ رمزيّ جداً. أعضاء لا داعي لوجودهم ضمن العملية موجودون، وآخرون يجب وجودهم غير موجودين. الخطة المثالية.
اختيار أدوار الشخصيات ليس أسوأ ما في خصوص هذا المسلسل، وليس حتى الاستخدام الدرامي للعلاقات بينها لإعطاء المسلسل طابعاً “حميمياً” بين المشاهد والشخصيات، وإنما الأسوأ هو الطريقة التي فشل بها فعله لهذا:
الموت
الموت الأول كان لشخصية لم تقل أي كلمة طوال المسلسل، ومن المتوقع أن المشاهد سيشعر بالأسى لهذه الشخصية، فقط بسبب المشاهد العاطفية التي أظهرت نحيب هلسينكي.
الموت الثاني كان لشخصية قالت الكثير من الكلمات العاطفية واللطيفة والجيدة طوال المسلسل، شخصية من المتوقع موتها من اللحظة الأولى. موسكو هو “المخلّص” في هذا العمل الذي عليه أن يموت كتضحية بريئة للحصول على المال.
الموت الثالث كان للشخصية “العظيمة” في المسلسل؛ برلين، الذي عرفنا عنه من البداية أنه في أيامه الأخيرة، وأنه مصاب بالكثير من الأمراض النفسية والعقلية. موته بهذه الطريقة لم يكن مفاجأة على الإطلاق – ولكن تصميم مشهد موته “المسرحيّ” سيجعلني أتجاهل كليشيهيته لصالح كونه من المفترض أن يكون مشهداً “كوول” و”باداسس” ومؤثر.
في الطرف الآخر، فريق التحقيق والمفاوضة المسؤول عن إدارة الموقف، فيه مسؤولة تفاوض تعاني من انهيارات عصبية متكررة، معاون لها يدخل في غيبوبة “حماية الحبكة” والكولونيل الذي يتحمل اللوم على المواقف الغبية، إضافة للزوج السابق الشرير. للتأكيد على فكرة man bad التي لا يتردد المسلسل في حشرها في وجهنا عند كل فرصة.
كيف؟
بالنسبة للبروفيسور العبقري الذي قلّب الخطة في رأسه لسنوات طويلة، إختيار الشخصيات هذه للقيام بالمهام الموكلة لها أمر مثير للسخرية، المسؤول عن السيطرة على الرهائن مريض نفسيّ، البروفيسور أيضاً سمح لأشخاص لا داعي لوجودهم في العملية بالانضمام فقط لأنهم “هناك” ووكّل الجزء الأكثر أهمية لشخص واحد فقط.
كثرة الشخصيات التي لا داعي لها في القصة فقط لرفع قابلية حصول الدراما بينها أسوأ ما في القصة تقريباً.
لست معترضاً مجدداً على وجود الدراما بين الشخصيات، هناك الكثير من الطرق الجيدة لعرض الدراما بين الشخصيات والمشاكل في عملية السرقة دون إظهار الشخصيات التي تدير العملية على أنهم عباقرة أو أفضل من في مجالهم وهو ما كان الهدف هنا على ما أعتقد – ولكن المشكلة كانت في تحويل القصة من سرقة بنك إلى “دراما في المدرسة الثانوية”… مع مشاهد حوارية طويلة وصراخ كثير دون اكتراث لبقية أجزاء القصة والأحداث التي تجري في أماكن أخرى بعيداً عن الشاشة.
برلين، طوكيو، ريو، دينفر، نيروبي، موسكو. ست من الشخصيات الرئيسية موجودة في مكان واحد، وهذه ليست المرة الأولى، والرهائن موزعون في أماكن مختلفة من البناء وليسو في مكان واحد ليكون شخصان مهما كانا أقوياء قادرين على السيطرة عليهم.
لماذا؟
- البروفيسور يقوم بالعملية لأنه يرغب بتنفيذ أمنية والده، ولانه مؤمن بأن معاناته في الصغر بسبب نقص المال في عائلته سببها الظلم الإجتماعي. هناك العديد من القطع الناقصة من هذه الأحجية ولكن سأقبل هذا السبب على ما هو عليه.
- طوكيو لا خيار لديها سوى المشاركة، ولكن لا أدري ما دافع البروفيسور في ضمها للعملية. ريو لا يحتاج النقود ولكنه يشعر بأن المتعة القادمة من السرقة أفضل من تلك القادمة من عمل شريف.
- نيروبي ودينفر وموسكو أبناء حياة الجريمة، وكلهم يرغبون بالمال لأسباب مختلفة، دينفر وموسكو لحياة أفضل، ونيروبي لاستعادة طفلها.
- برلين يرى السرقة كفنّ، ونفسه كليوناردو دافينشي. بينما أوسلو وهلسينكي ببساطة يرغبون بالمال دون تفاصيل زائدة.
دوافع فريق السرقة واضحة نسبياً، ولكن دوافع بقية الشخصيات مبهمة جداً؛ بداية من أرتورو الذي تأسس كشخصية جبانة من البداية، وانتقل ليصبح أكبر من يأخذ المخاطرات في المسلسل، ووصولاً إلى المحققة، التي قررت تغيير الجهة التي تعمل معها فقط بسبب خطاب تنمية بشرية وثورة بلشيفية من البروفيسور.
أعني إن لم تكن قدرته الخارقة هي التخطيط لهذه السرقة، فقدرته الخارقة حتماً هي إقناع الناس القيام بما يريده من خلال الخطابات المؤثرة التي يقوم بها.
عليك أن تؤمن فقط.
طبقة الجحيم الخامسة: إفساد الذروات – الأنتي كلايماكس
هناك ذروتان حقيقيتان لأحداث المسلسل: الأولى عند دخول العصابة إلى البنك وفرض سيطرتهم عليه، والثانية عند خروجهم منه. في اعمال مشابهة عادة هناك العديد من الذروات الموزعة على حلقات المسلسل كي يشد المشاهدين للمتابعة – لا كاسا دي بابيل ليس مختلفاً عن هذه الأعمال ويحاول القيام بالعديد من الذروات الفرعية، في كل حلقة تقريباً، ولكن المشكلة أن كل واحدة من هذه الذروات لا قيمة لها في القصة على الإطلاق.
بداية السيطرة على البنك لم تكن استعراضية بما فيه الكفاية، بالمقارنة مع Inside Man على سبيل المثال أو حتى بداية الموسم الثالث، لم يكن أسلوب الدخول مثيراً للاهتمام قط. أما النهاية فبغض النظر عن مشهد برلين النهائي، لا خاتمة فعلية للسلسلة، في محاولة للتمهيد للأجزاء التالية.
لنبدأ من أشيائي المفضلة التي أفسدها المسلسل:
لعبة الشطرنج
الأمر الذي يجعل مشاهد الأخذ والرد بين طرفين متعاكسين تماماً جيدة وممتعة هو الطريقة التي تقدم بها هذه المشاهد، على سبيل المثال، في أنمي ديث نوت يظهر إل وكيرا بطرفين متقابلين تماماً، أحدهما مجرم والآخر محقق، الأول مهذب ومنتظم والآخر عشوائي وفظ، وحتى في طريقة إظهارهما على الشاشة يظهر إل بألوان أكثر برودة وهدوءً بينما يظهر كيرا بألوان أكثر حدة وغضباً. التضاد بين الشخصيتين جزء من القصة، وإظهار هذا التضاد في الإنتاج كان أيضاً جزءً من تأثيرها على المشاهد.
إل وكيرا متشابهان جداً خارج المُثُل العليا التي يملتكها كل منهما، وهو ما يجعل المشاهد التي تعرضهما في طرفين متقابلين ممتعة، الأول يقوم بشيء والآخر يرد عليه، كلعبة شطرنج بين محترفين – التشبيه هذا نفسه يستخدمه البروفيسور لوصف علاقته مع المحققة ولكن شتّان.
في لا كاسا دي بابيل المحققة والبروفيسور لا يمتلكان شيئاً مشتركاً، وليسا على نفس المستوى من الذكاء أو الخبرة – يمكنني النقاش حتى أن مستوى خبرة كل منهما وقدرته على التعامل مع المفاجآت التي تحصل خلال العملية لا تجعلهما مؤهلين أصلاً ليكون الحديث بينهما ممتع. في لحظات قليلة هناك نوع من الكيمياء بين الشخصيتين وبعض الأخذ والرد بطريقة سلسة، ولكن سرعان ما يتحطم هذا بوجود الشخصيات الاخرى حولهما.
لا يمكن للحوارات في هذا المسلسل ان تكون ممتعة لان الشخصيات التي تقدم هذه الحوارات ليست ممتعة.
ولم يساعد على هذا أبدا الطريقة التي أخرجت فيها هذه المشاهد، بدلاً من إظهارهما بطريقة متقابلة ومتناظرة، كانت المشاهد عشوائية بالكامل – وبدلاً من وضع موسيقى خاصة بهما تضع المتابع في الجو، اعتمد الصمت أو الموسيقى الجينيريك في أغلب المشاهد. المضحك أننا عندما شغلنا موسيقى L في خلفية هذه المشاهد، أصبح المسلسل ممتعاً حقاً – على الأقل في هذه المشاهد الحوارية المملة.
الاستعراضية
أعلم أن الموسم الثالث من المسلسل ليس الأفضل بنظر المتابعين من ناحية القصة، ولكنه برأيي أكثر إخلاصاً للاستعراضية التي من الممكن أن تنقذ المسلسل من كونه مملاً على الأقل – فهو سلفاً غير منطقي لا من ناحية القصة ولا الدراما، وهو سلفاً يحاول أن يكون كوول وباد أسس – لم لا يقوم بهذا بأقصى ما يمكن إذاً.
في الموسم الثالث الكثير من المشاهد الاستعراضية والمسرحية التي تلائم أجواء “الهبد” في القصة وتلائم الشخصيات المبالغ فيها، على سبيل المثال خطاب رودريغو في بداية السرقة للرهائن، ومن ثم انفجار الزجاج ودخوله في عينيه ليقوم فوراً بالنهوض من السرير ومتابعة عمله – رودريغو يلعب دور المشرف على العملية بطريقة مبالغ فيها، بطريقة استعراضية – وهو ما حاول به برلين وفشل.
برلين في الموسم الثالث استعراضي وكوميكيّ أكثر من الموسم الأول والثاني – وهذا ما كان يجب ان يكون عليه برأيي، بدلاً من أن يكون “معتوهاً” ومريضاً نفسياً فحسب دون أي هدف فعليّ… بالطبع هناك مشاهد استعراضية له في الجزء الأول والثاني كلحظات الجدال مع بقية أعضاء الفريق ولحظة النهاية – ولكن هذه اللحظات محدودة جداً وتنتهي عادة بطريقة مخيبة للآمال.
أحد أكثر المشاهد الاستعراضية فشلاً في المسلسل برأيي هو مشهد استلام نيروبي للقيادة، بعد إخضاع برلين والاتصال بالبروفيسور وتلخيص الوضع له. المشهد بذاته لم يكن سيئاً ولو أن الرسالة السياسية الموجودة فيه واضحة ومزعجة من شدة وضوحها، ما كان سيئاً هو الطريقة التي عاد فيها برلين ليحطم هذا المشهد بالكامل والذروة التي حصلت فيه، لتعود نيروبي إلى مكانها كعضو مهمش من أعضاء الفريق بدلاً من الاستغناء عن برلين بالكامل.
وعلى ذكر السياسة
طبقة الجحيم السادسة: الصوابية السياسية
حقاً… لا أعارض حقوق المرأة أبداً ولا تمثيلها في دور قيادي على الشاشة. ولكنني أعارض وبشدة الطريقة التي تقوم فيها بعض المسلسلات بهذا في هذه الفترة. لا كاسا دي بابيل ليس استثناءً منها.
هناك عشرات الطرق لوضع الشخصيات الأنوثية في مواقع قيادية في القصص، هناك عشرات الطرق لعرض معاناة النساء ودعمهن وتشجيعهن على المطالبة بحقوقهن، عشرات الطرق المنطقية قصصياً والتي تتلائم مع سياق الأحداث والحبكة – وليس عن طريق الصراخ بعبارة “إسقاط الذكورية” أو “البيترياركية” في أي فرصة.
الطريقة التي يستغل فيها صنّاع الميديا اليوم الصوابية السياسية والحركات النسوية في بيع المزيد من الاشتراكات والنسخ والبضائع المتعلقة بأعمالهم مقرفة ومقززة – وسواء كنت على لبرالياً أو محافظاً، لا أعتقد أن قبول وجود هذا النوع من المحتوى وتوظيفه بهذه الطريقة هو أمر ترغب برؤيته في عمل فنيّ.
ربما أكتب في هذا لاحقاً، ولكن شتّان بين لحظة قصصية رائعة تظهر فيها امرأة بدور قوي، كمشهد ملك الخواتم الشهير، ومشهد نيروبي في لا كاسا دي بابيل وهي تصرخ ضد البيترياركية.
الموسم الثالث أسوأ بكثير من الموسم الاول والثاني في هذا، فقد نجح(؟) صنّاعه في حشر قضية النسوية في القصة من الحلقة الثانية، بينما فشل(؟) الأول في فعل هذا من الحلقات الأولى.
طبقة الجحيم السابعة: الأجزاء اللانهائية
الأجزاء الثلاثة الأولى من السريع والغاضب لم تكن سيئة على الإطلاق، ربما كان فيها العديد من المشاكل، ولكنها لم تكن سيئة بالمطلق. كان هناك فيها الكثير من المبالغات والمشاهد الاستعراضية، ولكنها كانت في قلبها أفلام سباقات سيارات، وهذا ما جعل الناس تتابعها بحب. الأجزاء اللاحقة من السلسلة تحولت من “أفلام سباقات سيارات” إلى “أفلام أبطال خارقين يركبون سيارات”… وهذا الانتقال هو ما دمر السلسلة وحوّلها إلى بقرة حلوب لأي شخص مسؤول عنها.
المشكلة في لا كاسا دي بابيل أن الأجزاء الأولى لم تكن جيدة أصلاً، المشاكل الموجودة فيها تجعلها خالية من المتعة حتى، المتعة التي يمكن لأفلام مثل ثلاثية السريع والغاضب الأولى تقديمها للمشاهد.
هذا بغض النظر كلياً عن الفترة التي صدر فيها كلّ من الفلمين، والتجارب السابقة التي يمكن لصنّاع كل منهما الاستفادة منها.
تحويل قصة ما إلى فرانشايز يدمرها عادة، هناك عشرات التجارب في مختلف أنواع الميديا، أشياء مثل Assassins Creed التي تحولت من لعبة معتمدة على القصة إلى بقرة حلوب، بنفس طريقة تحول سلسلة السريع والغاضب، والآن لا كاسا دي بابيل، كل هذه التجارب تثبت أنه تحويل قصة ما إلى فرانشايز بهذه الطريقة الاستعباطية التي تحاول البناء على أطلال عمل محبوب سابق ستقتل هذه القصة.
هناك العديد من الأساليب لتحويل قصة إلى فرانشايز دون التأثير بجودتها – منها الاستلهام والـSpin-off بأشكالهما المختلفة، ولكن بالطبع، هذه ليست الحالة في لا كاسا.
نهايةً
إن كان المسلسل بهذا السوء – والجميع يعلم أنه بهذا السوء، لماذا أكتب هذا المقال؟
يمكن اعتبار هذا المقال ملخص لأفكاري عنه، ولو أن الدخول بالتفاصيل قد يحتاج وقتاً أكبر بكثير لنقاش كل نقطة على حدة لا أعتقد أن أحداً مهتم بالحديث عن تفاصيل سيئة في مشاهد سيئة.
ربما إن شاهدت الموسم الثالث أكتب لاحقاً عن الأشياء الجيدة التي حصلت فيه، ولماذا قد يكون أفضل من الموسمين الأول والثاني برأيي.
أما الآن، فهذا كل ما لدي.
لا أنصح بمشاهدة هذا المسلسل – شاهد أوشنز ايليفن أو اي فيلم سطو آخر ووفر على نفسك عشرين ساعة ضائعة.
[…] كم أتمنى لو لدي قدرة هادي على كتابة العناوين، والمحتوى الطويل. هل شاهدتم لا كاسا دي بابل؟ هادي شاهده وكتب لنا عنه. […]
مراجعة رائعة، وجلد ساخر للمسلسل على أعلى مستوى..
رغم أني غير مهتم بالمسلسل ولا أظن أني سأشاهده ولكني استمتعت بالمقال عفوا (التدوينة).