رحلة البطل – سلسلة كتابة القصص [5]
رحلة البطل – Hero’s Journey (تسمّى أيضاً مونوميث – monomyth مشتقّة من كلمتيّ “مونو – فرديّ” و”ميث – اسطورة”) هو مصطلح أطلقه الأكاديميّ جوزيف كامبيل في عام 1949 ليجمع تحته القصص التي تعتمد على هياكل – Frameworks متشابهة في تتالي الأحداث، حيث تعتمد على ثلاث فصول – Acts متتالية تحت كلّ من هذه الفصول، قسّم كامبيل الرحلة إلى عناوين فرعيّة:
- فصل الرحيل – Departure: يخرج فيه البطل من حياته الاعتياديّة وعالمه الخاص.
- نداء المغامرة، أو طلب الدخول في المغامرة.
- رفض النداء، ورفض الدخول في المغامرة.
- المساعدات الفائقة.
- عبور العتبة للمجهول أو العالم الاخر.
- بطن الحوت.
- فصل الإطلاق – Initiation: وفيه تبنى شخصيّة البطل وتتخطّى العقبات الموجودة أمامها.
- طريق التجارب.
- مقابلة مع المرأة الفاتنة.
- المرأة كإغراء.
- التكفير مع الأب.
- التمجيد أو المثل الأعلى.
- النعمة أو الهبة المطلقة.
- فصل العودة – Return: وفيه يعود البطل منتصراً إلى حياته السابقة.
- رفض العودة.
- الرحلة السحرية (رحلة العودة السحرية).
- الإنقاذ من الخارج.
- عبور عتبة الرجوع للعالم الاعتيادي.
- خبير العَالَمَين.
- حرية العيش.
(استخدمتُ في ترجمة الخطوات الفرعية ترجمة ويكيبيديا العربية)
عدّل الكثير من منظّري الأدب على هذه العناوين وأعادوا تقسيمها وتفصيلها، كتقسيم كريستوفر فولغير عام 2007 (أحدث هذه التعديلات) في هذه البنية وفصّلها إلى اثني عشر نقطة تتكون منها رحلة البطل، تلتزم بعض القصص ببعض هذه النقاط وتتجاهل بعضها بينما تتبعها بعض القصص حرفيّاً، ولا يمكن “تصنيف” القصص تحت هذه التسمية -أي رحلة البطل- ولكنّها أداة كتابيّة ظاهرة في كثير من الأعمال القديمة والحديثة.
لماذا يظهر هذا الهيكل في كثير من القصص؟
ظهور هذا الهيكل في العديد من القصص، حتى تلك المكتوبة قبل تعريف المصطلح، عائدٌ لأكثر من سبب؛
أوّل هذه الأسباب وأهمّها أنّ هذا الهيكل قابل للفهم – Relatable في مختلف الثقافات وعلى مرّ العصور، نمط شخصيّة – Archetype البطل كان وسيبقى من أنماط الشخصيّات الأكثر شهرة وانتشاراً، وهذا ما يجعل “رحلة البطل” هيكلاً مشهوراً.
ثاني هذه الأسباب هو كون هذا القالب “ناجحاً” بشكل عام، فأساساته موجودة والدراسات حوله كثيرة، وأمثلة القصص الناجحة المندرجة حوله في مختلف الأوساط القصصية مشهورة كالسينما والأنميشن والألعاب والروايات. هذا يشجّع الكتّاب على الاعتماد عليه لإنتاج المزيد من القصص.
ثالث هذه الأسباب أنّ هذا القالب بنفسه قابل للتطويع بطرق مختلفة وبسياقات مختلفة؛ قصّتين متقابلتين تماماً من حيث الأجواء والهدف؛ ملك الخواتم والماتريكس، كلاهما يقدّمان رحلة البطل بأسلوبهما الخاص، أيضاً الماتريكس والأسد الملك كلّ منهما يستهدف فئة عمريّة مختلفة، ولكنّهما أيضاً يشتركان برحلة البطل.
رابع هذه الأسباب، أنّه حتّى عندما تكون القصص المعتمدة على هذا الهيكل مستعجلة ومتدنّية الجودة، يبقى القارئ أو المشاهد قادراً على فهم ما يجري استناداً إلى خبرته بهذا النوع من القصص – هذا يجعل هيكل رحلة البطل خياراً “آمناً” للمشاريع القصصية التجارية، خصوصاً الأفلام أو الروايات الموجّهة لليافعين والمراهقين.
الماتريكس، مثال حديث عن رحلة بطل مشهورة
إذا أردنا تقسيم أحداث سلسلة ماتريكس على عناوين فولغير لرحلة البطل، سنجد ما يلي:
- العالم العاديّ: يعيش نيو في بداية القصة في عالمٍ “عاديّ” ولا دافع له لتغيير هذا.
- دعوة للمغامرة: تأتي دعوة المغامرة لنيو للمرة الأولى على شكل رسالة تصله من طرف مجهول.
- رفض الدعوة: يرفض نيو هذه الدعوة ويحاول متابعة حياته الاعتياديّة بعد لقاءه الأول مع ترينيتي.
- مقابلة المعلّم الحكيم: تقوده الأحداث مرّة أخرى إلى التواصل مع مورفيوس، ليلعب دور الحكيم الذي سيقود نيو في هذه المغامرة.
- العبور للعالم الآخر: يختار نيو الحبّة الحمراء ليعبر الحدّ الفاصل إلى العالم الآخر.
- المصاعب والأصدقاء والأعداء: يبدأ مورفيوس بتدريب نيو وتعليمه حقائق هذا العالم ويزداد هنا ارتباط نيو مع الشخصيات المحيطة به، ويتعرّف أكثر على الأخطار التي سيواجهها لاحقاً.
- الاقتراب من الخطر: مع ازدياد تعمّقه في عالم مورفيوس ومع مقابلته للعرّافة التي ترفض كونه “المختار؛ البطل” في المقابلة الأولى، يُنذر نيو بأنّ الأمور لن تجري بسلاسة.
- المحنة: يضحّي مورفيوس بنفسه، يكاد نيو يموت وهو يحاول إنقاذه، يبدو وكأنّ كلّ شيء على وشك الانهيار عندما يواجه نيو قوّة لا يمكنه مواجهتها رغم كلّ تدريباته. ينجو الفريق في النهاية بعد وصول نقطة الحضيض.
- المكافأة والحصول على السيف: بعد مقاربة نيو للموت أثناء محاولته لإنقاذ لمعلّمه، يحصل على قوّة قادرة على مقاومة أعدائه، لكنّها غير كافية على تدميرهم (قدرة تجنّب الرصاص المشابهة لما يمتلكه العملاء).
- رحلة العودة: يتعرض فريق نيو للخيانة من أحد أعضائه، ويعلق نيو داخل الميتركس – يعتقد هنا أنّه قادر على مجابهة العميل مع قدرته المكتشفة حديثاً، ولكنّه يفشل في ذلك.
- إعادة البعث: يهرب نيو من العميل بعد إدراك عجزه عن هزيمته، يقتله العميل ولكنّ نيو يعود للحياة بعد تحفيز ترينتي له، مثبتة له أنّه المختار بسبب حبّها له، تعيده قبلتها للحياة، هذه المرّة تصبح قوّته أكبر وأكثر قدرة على مواجهة العميل وهزيمته.
- العودة مع الإكسير: يهزم نيو العميل، ويعود لعالمه الطبيعيّ مرة أخرى مع الإكسير “قدرة إيقاظ البشر الموجودين في المصفوفة”.
يمكنك ملاحظة أنّ هذا الهيكل لا يتضمن كلّ أحداث الفيلم، ولكنّه يتضمّن أغلب الأحداث المهمّة والمحوريّة فيه، ويمكن الملاحظة أيضاً أنّ المشاهد “الأيقونيّة” في هذا الفيلم أغلبها مذكورة ضمن تلك الأحداث – هذا لأنّ إنتاجه كان متوافقاً مع الرسالة التي يحاول إيصالها – وهذا ما يجعله جيّداً في الأساس. يمكنك أن تلحظ أيضاً تداخل الأحداث وترابطها وكون كلّ منها يقود للآخر، فكما يقول أحمد في سلسلته النقدية، كلّ القصص الجيّدة تستغل مبدأ الحتمية أو الاحتمال.