لينكس: الشهر السادس

مرّ على بداية استخدامي لنظام تشغيل لينكس ما يزيد الستة أشهر، وبهذا أتمّ وأتخطّى المدّة الزمنيّة التي توقع أحد أصدقائي ان أعود لويندوز قبلها، والجميل في هذا أمران: أولًا أنّني لم أعد لويندوز إطلاقًا في هذه المدّة، والثاني أنّني لم أستخدم لينكس “عنادًا” بل بقيت عليه لأنه يكفي وزيادة لما أحتاج.

ماذا الآن؟

لا أظنّ أنني سأتابع كتابة هذه السلسلة إلا لو وجدت حاجة ضروريّةً لكتابة جزء جديد، ربما لذكر بعض المغامرات مع لينكس أو لتوضيح بعض النقاط حوله، لكن أرى أنّ الأجزاء الثلاثة الأولى كانت كافيةً لمن يرغب بمعرفة تجربتي مع لينكس.

أما هذا الجزء من المقال فهو بعض العشوائيات التي مرّت عليّ في الفترة السابقة؛ حاليًأ أنا أستخدم لينكس يوميًا لكل المهام التي انجزها دون مشاكل على توزيعة Garuda بعد أن غيّرت الكيرنل إلى كيرنل CachyOS ومستودعات البرامج إلى مستودعاتها – لا اختلاف حقيقيّ بينها وبين الكيرنل الافتراضيّة فعليًّا، لكنّ الكسل منعني من العودة.

استخدامي المستقرّ للينكس يعني أنّي وصلت لمرحلة مريحةٍ جدًا من التعامل مع البرامج وحلّ المشاكل، وهذا الاستقرار يعني أنّ “المستجدات” ستكون قليلة لمن يبحث عن “مشاكل قد تواجهه” في هذا السياق، وربما يختلف هذا في المقالات السابقة.

أنا أحب حلّ المشاكل

ربما الأمر الأكثر جذبًا لي شخصيًا في لينكس هو أنّ إمكانيّة حل المشاكل فيه عالية، وهذا لأنّ إمكانيّة حصول المشاكل فيه عالية، وأنا أحب حلّ المشاكل، ليس فقط في سياق عملي أو حياتي الشخصية، بل في سياق تعاملي مع الأدوات التي أستخدمها يوميًا.

في ويندوز، المشاكل محدودة، لكنّها عندما تحصل تكون قاتلة، كما حصل معي في وقت سابقً من مشاكلٍ مع غوغل كروم وتشغيل الفيديوهات والغليتشنغ في الصوت، ما قادني في رحلةٍ طويلةٍ لحلّ مشكلة انتهت بالتخلّص الكامل من المتصفح واستبداله، لأنّ ويندوز رمى المشكلة على كروم، وكروم على ويندوز، وأنا أضطررت لتغيير المتصفح بالكامل لعدم قدرتي على التعامل مع المشكلة.

في لينكس، لا يحصل هذا غالبًا، يمكنك الوصول إلى Debug Logs دقيقة تسمح لك بمعرفة سبب المشكلة بالتحديد، ثم البحث عن أشخاصٍ حصلت معهم، أو سؤال الذكاء الاصطناعيّ، أو محاولة العثور على بديل لما يسبب المشكلة، أو بعد نفاد الحلول؛ نسف النظام كاملًا واستبداله.

طبعًا، هذا يعني المزيد من المسؤولية على المستخدم، وهو ما أعلم قاطعًا أنّ أغلب المستخدمين لا يرغبون به، لكن للتذكير، أنا أستخدم توزيعةً “متقدّمة” نسبيًا، وكثير من التوزيعات الموجّهة للمستخدمين المبتدئين لا تحتاج لكلّ هذا.

لينكس كافٍ، ولكن

ما استنتجته من استخدامي للينكس في الأشهر السابقة أنّ المستخدمين المثاليين لهذا النظام ينقسمون إلى فئتين:

الفئة الأولى من لديه الهدوء والصبر الكافي لتعلّم التعامل مع النظام ثم تطويعه كما يحتاجون، وأنا أندرج تحت هذه الفئة.

والفئة الثانية من يستخدمون الحاسب لغرضٍ واحدٍ أو غرضين، كالكتابة على وورد أو متابعة اليوتيوب أو الاستماع للموسيقى أو لموظفي الدولة وبعض معارفي يندرجون تحت هذه الفئة.

أما من يقع بين الفئتين السابقتين -وهم كثر- لا ينفع لينكس لهم إطلاقًا، فلا هم قادرون على التعامل مع المشاكل وحلّها بأنفسهم لانعدام الصبر والهدوء، وهم بحاجة لاستخدام الحاسب لأغراض مختلفة، فلا يمكن حصرهم في “قالبٍ” من البرامج المثبتة مسبقًا.

يرغب أغلب الغيمرز مثلًا بتثبيت وتجريب الألعاب المختلفة دوريًا، وهذا ما لا يمكن فعله على لينكس دون فهم طريقة تشغيل الألعاب من خلال طبقات التوافق مثل واين أو بروتون، وبعض الألعاب لا تعمل أصلًا بسبب خيارات منع الغش الموجودة فيها، وأغلب الغيمرز لا يريدون إشغال أنفسهم في البحث والتعلم – المسافة بين شراء اللعبة ولعبها يجب أن تكون صفر.

ربما تعمل ستيم على تحديثات على توزيعتها الخاصة تجعلها قادرةً على تشغيل الألعاب بسهولة أكبر، خصوصًا مع التحديثات الأخيرة على واين وبروتون، والتحديثات المجدولة في الأشهر القادمة، والتحديثات القادمة لتوزيعة ستيم، لكن قد لا يصبح هذا رائجًا بين اللاعبين لسنواتٍ عديدة.

أشعر وكأنني في المنزل

استخدمت لينكس لسنواتٍ طويلةٍ على السيرفرات التي أديرها، سواء في العمل أو سيرفراتي الشخصية، كهذا الذي يشغل الموقع الذي تقرأ عليه هذه الكلمات، ولطالما شعرت أنّ تعاملي مع هذه السيرفرات هو “المنزل” في الحقيقة، والحاسوب الشخصيّ “مكانٌ آخر” لا أهتمّ في الحقيقة بتنظيمه أو تنظيفه.

بعد انتقالي إلى لينكس تغير هذا، وربما لأنّي امتلكت الفرصة لإعادة تنظيم ملفاتي بعد الانتقال الأخير من ويندوز، أو لأنّي تعلمت العديد من الخدع لتنظيم وترتيب المحتوى في السنوات الأخيرة، لكن الشعور في الحقيقة مختلف عن ويندوز جذريًا: هنا أنا في المكان الصحيح.

وهذا انعكس بالفعل على تعاملي مع عتاد حاسبي منذ عزمت الانتقال النهائي، فقد وصلت من حينها الكاميرا الصغيرة، وربطت الهارد القديم المستخدم في التخزين البارد للملفات بعد أن أصبح بإمكاني فصله بسهولة دون الحاجة لفصله يدويًا من الكابلات أو فصله من خلال خطواتٍ كثيرةٍ في ويندوز. حريّة التحكّم بالعتاد بنقرات قليلةٍ أثّرت جذريًّا على ترتيب طاولتي.

الكثير من البرامج التي اعتدت تجربتها على السيرفرات وفشلت في استخدامها سابقًا، أصبحت أجربها محليًّا بسهولة فائقة، ثم أنقلها للسيرفر دون مشاكل، فكلاهما يعملان بالمنطق ذاته، وقدرتي على حلّ المشاكل أصبحت أفضل، وبإمكاني معرفة ما يجب عليّ توقّعه في الحالة الصحيحة والحالة الخاطئة لتثبيت البرنامج -رغم أن سيرفراتي كلّها تعمل على أوبنتو، وتوزيعتي مبنيّة على آرتش-.

وهكذا في كثيرٍ من التفاصيل، تثبيت البرامج والنسخ الاحتياطية من المحتوى وربط القطع التي كنت أتكاسل على تنظيمها وحتّى ربط الطابعة ثلاثية الأبعاد التي تركها عندي صديقٌ لي، كلّه لم يكن ليحدث لو ما زلت على ويندوز.

ربما مصدر عدم شعوري بالهدوء أثناء استخدام ويندوز وعدم “استقراري” الحقيقيّ فيه رغم سنواتٍ من الاستخدام المستمر هو الخطر الدائم من “انهيار” كلّ شيء فيه، ربما يحصل تحديث ويقفل ملفّاتك من خلال Bitlocker دون أن تدري، وربما تضطر إلى إزالة التعاريف وتثبيتها من جديد، وربما تحتاج إلى إعادة تنصيب ويندوز، وربما يعطب التثبيت، وتذهب الملفات أدراج الرياح.

أمر آخر يتربّص بمستخدمي ويندوز، ولا أشعر به أثناء استخدامي لينكس، أنّ نظام التشغيل “يكهل” مع الاستخدام، وأنت تدرك هذا تمامًا وأنت تستخدمه وتثبّت عليه ما تحتاج من برامج – بعد شهرٍ او شهرين من الاستخدام سيثقل الجهاز، ويبطؤ أداؤه، حتى ولو لم تقم بشيء سوى ما تقوم به اليوم – اليوم سريع وغدًا بطيء، دون سبب فعليّ سوى لأنّك على ويندوز.

لم أشعر بهذا على لينكس، بل أشعر بأنّ الجهاز “مستقر” عند السوية التي بدأت الاستخدام عندها. وهذا يجعلني مطمئنًا أكثر “للاستقرار” فيه.

ما القادم؟

لا شيء، ربما أنتقل لتوزيعة أخرى إن وجدت هذا ضروريًا، وقد أكتب عن تجاربي مع التوزيعات بتفصيل أكبر، لكن للوقت الحالي، هذه التدوينة الأخيرة من السلسلة، أتمنى أنّها كانت مفيدةً لمن يفكّر بالانتقال.

اقرأ بقيّة الأجزاء:

مصدر الخلفية في صورة المقال

5 تعليقات

  1. أريد أن أعلق عن الفئات التي علقت عليها بين الفئة الأولى والثانية، وهي ربما تكون كبيرة، حيث يمكن أن تكون فئات متعددة وتوجد توزيعات مختلفة بعضها سهل وجاهز للعمل بعدد من البرامج والمكتبات مثل لينكس مينت، ويمكن أن تكون هذه التوزيعات مناسبة لكثير منهم، لذلك فإن رأيي أنه لا يمكن أن نحكم أن لينكس لا يمكن أن ينفع لهم إطلاقاً

    • صحيح ربما بعض التوزيعات تحل المشكلة، خصوصا التوزيعات الimmutable وذكرت توزيعة ستيم كمثال لما يمكن أن يكون حلًا لهذا، لكن الواقع انها ما تزال بعيدة عن الاستخدام الشائع مع الاسف ولا تزال محدودة الإمكانيّات مقارنة بويندوز – المشكلة الاكبر تكمن برأيي في أنّ المستخدم المتوسط هذا لا يرغب بالبحث عن حلول لمشاكله من الاساس لذا هو لا يجد في استخدام ويندوز مشكلة حاليا

      • يبدوا أنك تحمل فكرة قديمة عن نظام غنو/لينكس و لم تحصل على أي تحديث منذ زمن بعيد، هناك توزيعات أسهل في التثبيت و بعد التثبيت من وينداوز، و هي جاهزة للإستخدام مباشرة بعدها، و أهمها linuxmint و zorinos و التي تمنح تجربة مثالية و سهلة و بديهية، لكن المشكل لي هنا بل في عقلية المستخدم الذي يتبع العامة و الأغلبية و لا يحب تجربة شيء جديد أو الخروج عن المألوف.

  2. في الحقيقة مستخدمي لينكس أنواع و أشكال كثيرة كأنواع الزهور. كما أن من مزايا أنظمة التشغيل الحرة – و منها لينكس- كثرة التوزيعات مما يوفر خيارات متعددة لكل مستخدم.

  3. شكرا على هذه السلسلة المشوقة التي خضتها في يوم من الأيام، ما تتحدث عنه حدث لي قبل 10 سنوات عندما قررت الإنتقال النهائي إلى غنو/لينكس و انغمست في عالم البرمجيات الحرة من حينها و تعلم الكثير رغم أني و إلى اليوم مجرد مستخدم عادي للنظام ليست بخبير و لا مبتدئ، اعرف كيف أدبر أموري و أحس أني في بيتي البرامج المتاحة تكفيني لإنجاز مهامي المختلفة، و أجد أن المستخدم العادي يضيع وقته مع وينداوز في حين هناك بديل مثالي يمنحه الإستقرار و الأمان و الكفاءة.
    شكرا لك مرة أخرى.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *