لماذا أشاهد مسلسلاً تركياً أصلاً؟ لأنني بحاجة للتدريب على سماع اللغة بشكل متواصل لمدة ساعتين في الأسبوع على الأقل خارج نطاق الجامعة التي لا أجد فيها الكثير من الفرص أصلاً للاستماع للأحاديث اليومية خارج مجال “هل درست الأمر الفلاني أو هل ستدرس الأمر الفلاني”… على الرغم من أن النقاشات الاجتماعية والسياسية ليست نادرة هنا حتى بين الأجانب والمواطنين، إلا أنها مجدداً لا تكفي للاعتياد على سماع اللغة.
بأي حال، انتهى بي الأمر وأنا أشاهد “الحفرة” في السنة الماضية بعد انتهاء “في الداخل İçerde” ولأكون واضحاً من البداية، الحفرة لا يشبه في الداخل سوى بالكادر، كل شيء آخر مختلف جداً. في الداخل كان من الأعمال الجيدة التي استمتعت بكل لحظة منها، واختلف عن المسلسلات التركية بكونه يمتلك نهاية فعلية، بينما الحفرة تحول إلى مسلسل شونين سيصل للمئة حلقة قريباً.
مئة حلقة بمعايير الأنمي عدد قليل عادة، ولكن عندما تكون الحلقة ساعتين، عندما يزيد المحتوى عن مئتي ساعة تصبح القصة سخيفة شيئاً ما. يمكن القول أنني خدعت في البداية لأشاهد الحفرة، وبعد أن تابعت المسلسل لفترة طويلة اكتشفت أنه من أسوأ الأشياء التي شاهدتها في حياتي. وهذا الكلام قادم من شخص شاهد وأنهى أعمال مثل “في عالم آخر مع هاتفي المحمول”.
ملاحظة صغيرة: أثناء كتابة المقال أخطأت عدة المرات ووصفت المسلسل على أنه أنمي… لذا أرجو تجاهل هذا لو حصل دون أن أصححه. (لا أدقق هذه المقالات لغوياً ولا أعيد تحريرها بعد الكتابة.)
فلنبدأ من البداية، الفكرة من المسلسل
مسلسل تركي = مافيا، مافيا = اسطنبول، أوتيل = تيريفاغو.
في الحقيقة ولو أن فكر حرب المافيا تم قتلها تكراراً في الأعمال التركية قبل الحفرة وبعد الحفرة ومع الحفرة وإلى نهاية الوجود، لكل من الأعمال عادة روحه الخاصة وهذا ما يجعلها تستقطب الكثير من المشاهدين؛ بعضها للمافيا ضد الدولة، وبعضها للمافيا بجانب الدولة، وبعضها للمافيا ضد المافيا، وبعضها للمافيا ضد المجتمع، وبعضها للدولة ضد المافيا، إلخ.
في الحفرة، القصة تتمحور حول حرب بين عصابات المافيا، تحديداً بين عائلة من “قبضايات” اسطنبول وبين شخصيات مختلفة على مدى حلقات المسلسل. في الآرك الاول من الأحداث تكون المعركة بين هذه العائلة وابنها الضائع “ابن الزنى” الذي يرغب بالانتقام من عائلته، ومن ثم تتحول لمعركة مع “الأفندي” الذي يمتلك أموالاً طائلة ويرغب بتحويل الحفرة إلى شيء ما لا نعرفه ولن نعرفه.
الجزء الأول من المسلسل جيد كفكرة، على الأقل عندما ينظر لها دون مشاهدة المسلسل بحد ذاته. هناك انتقام وتضارب مصالح ومعضلات أخلاقية وشخصيات لها كويركس وصفات مميزة، هناك ابن المافيا المنعزل الذي يعزف الروك أند رول ويدرس الكيمياء ولا يتدخل بشؤون المافيا، وهناك الشاب المتوحد القادر على القيام بأمور خارقة للطبيعة، وهناك الأخ الضائع، والأخ الحاقد، والأم القوية، والزوجة القادمة من مجتمع مختلف، وعشرات الشخصيات المساعدة التي من الممكن الحديث عنها لاحقاً.
ولكن السيء في الموضوع أن هذا في الأعلى هو ملخص كل شيء بخصوص الفكرة عندما يتم وضعها على الورق، ولكن أثناء التطبيق لا يمكنك العثور على أي من هذه الأشياء بطريقة جيدة، لذا لا تتأمل كثيراً. يفشل المسلسل عندما يأتي الحديث عن الاستفادة من العناصر المميزة الموجودة فيه، كل الشخصيات المذكورة في الأعلى لا تختلف بأي طريقة عن أي شخصية أخرى.
وهنا يجب أن أشير للمشكلة الكبرى في المسلسل؛
التكرار
بعد الحلقات العشر الأولى يصبح من الممل جداً تكرار نفس الكويركس والحركات والأفكار، أو حتى استعارة بعض الأفكار من مسلسلات أخرى عمل عليها نفس فريق العمل لتحريك القصة. الشخصية الرئيسية يماش ومشاكله مع الغضب، المشاكل التي عليّ القول أنها خيّبت أملي بعد انتهاء الجزء الأول من المسلسل كونها لم تفسّر بطريقة جيدة، أو على الأقل لم تفسر بطريقة جيدة بالنسبة لي.
نوبة الغضب ذاتها، التصرفات الهائجة ذاتها، انهيار كل شيء ومن ثم الصعود، “علوش” يبحث عن الأدلة في ازقة اسطنبول دون الحركة من مكانه في مونتاج مسرّع يستمر لخمس أو عشر دقائق، قتالات واطلاق نار من المسدسات التي لا تنتهي مخازنها، والكثير من السيارات التي تحترق وتنفجر وتظهر من العدم.
حديث عن العائلة، ومن ثم حديث عن أهمية العائلة، ومن ثم حديث عن عدم أهمية العائلة، ومن ثم الشخص السيء يتصرف مرة أخرى بطريقة تثبت أنه سيئاً، ومن ثم أحدهم يخون أحدهم، وآخر يكشفه، ومن ثم مؤامرة تحدث وتكتشف بعد قليل… كل شيء يعاد مراراً وتكراراً، ليس مرة أو مرتين أو ثلاث على مدى المسلسل، بل تقريباً في كل حلقة لعينة.
وعليّ أن أفسر هنا،
الكويركس والتكرار أمران مختلفان تماماً
عند الحديث عن كتابة الشخصيات، الكويرك هي صفة مميزة في الشخصية يمكن للمشاهد أو القارئ في حال كون هذه الشخصية مكتوبة تمييز هذه الشخصية من خلالها، من الممكن أن تكون الكويرك أمراً عاديّاً جداً وموجوداً في العالم الواقعي، كأن يكون أحد الشخصيات مهتما بالموسيقى بطريقة مختلفة، أو أن يكون قادراً على التخطيط للمستقبل لفترات طويلة، أو أن يكون قادراً على رؤية المستقبل.
كل الأعمال المميزة تقوم عادة على شخصية رئيسية تمتلك كويركاً ما، كلما كانت الكويرك غريبة أكثر وواقعية أكثر كلما كان الأمر مثيراً للاهتمام أكثر. وكلما كانت الكويرك غريبة أكثر كلما كان خطر تكرار استخدامها وتسبب هذا التكرار بالملل للمشاهد أكبر.
على سبيل المثال، لو لم يكن هناك كريبتونايت لسوبرمان، أو لو لم يكن هناك ليكس لوثر في تلك القصة، لكانت قصته مملة جداً. سوبرمان رجل خارق ولا يمكن لشيء إيقافه، لا مجرمين ولا شرطة، لا شيء. ولكن لا، هناك الكريبتونايت، هناك ليكس، وهناك الكثير من الأشرار الخارقين القادرين على تحدي قدرات كلارك كينت.
في الحقيقة، مسلسل وان بانش مان هو المثال الأفضل الذي يحاول الكاتب فيه كتابة شخصية تمتلك كويركاً رائعة جداً ولكن دون أي مثيل، مما يجعلها في النهاية مملة، ليس للمتابع ولكن لمالكها. قوة سايتما تجعله قادراً على القضاء على أيّ شيء، لا كريبتونايت قادر على إضعافه، لا أعداء قادرون على جلب أي ذرة من التحدي أمامه، وهو يشعر بملل كبير من هذه الحياة البطيئة… لم يعد أي شيء في حياته يشكل تحدياً، وإن كانت حالة الشخصية الرئيسية هكذا فما بالك بالمتابع.
لحسن الحظ لسايتاما القصة مكتوبة بالكامل لتظهر الجانب الممل من حياة البطل الخارق الخارق جداً، وأنها مكتوبة بطريقة ساخرة لتظهر المهزلة التي سيعيشها هذا البطل الخارق، وإلا لكان وان بانش مان أكثر الأنميات مللاً على الإطلاق.
عودة إلى الحفرة، يماش يمتلك كويركات عديدة كان بالامكان استغلالها، يماش يفقد السيطرة عند شعوره بالغضب، هو ذكي ومتعلم، ويمتلك الكثير من الأوراق المخفية التي يمكنه كشفها في أي وقت، حوله الكثير من الأشخاص المميزين الذي يمكنه الاستعانة بهم لإظهار الكويرك الخاصة به بطريقة أفضل، ولكن يفضل المسلسل اتخاذ ذات الطريق دوماً.
إظهار الكويرك بطريقة مختلفة لا يعني دوماً ان تقوم الشخصية باستغلالها بطريقة مختلفة كليّاً، من الجيد وجود “توقيع” خاص بالشخصية، كعبارة تقولها دائما، أو كطريقة للقضاء على أعدائها مثلاً، ومن الجيد وجود كويركس تشكل توقيعاً للشخصية، كالدخول في حالة غضب عارم، أو التخطيط لعشرات الأيام في المستقبل. ولكن ما يجب فعله لإظهار هذه الكويرك في أفضل حال ليس من خلال تقديمها بأفضل حال، وإنما من خلال وضعها في اختبارات متتالية، يمكن للشخصية والمشاهدين من خلالها معرفة حدود هذه الشخصية.
يماش قادر على التخطيط للمستقبل، ويواجه الكثير من العقبات لاختبار هذه القدرة على مدى حلقات العمل، ولكن هذه العقبات لا تضع “قدرته” ككويرك في الاختبار، بل تضعه في موقف لا يعود من الممكن فيه استخدام هذه الكويرك على الإطلاق.
يضع يماش خطة للقضاء على الشرير الفلاني، يضع الشرير الفلاني عقبة في طريقة خطته، ومن ثم بوم لم يعد بإمكانه إنشاء خطة جديدة… ربما يقوم بإنشاء خطة جديدة لاحقاً ولكن ليس في الوقت المناسب، ليس عند الحديث عن شخصية من المفترض أن تمتلك قدرة مميزة على التخطيط في المستقبل، او على الأقل هذا ما لمح إليه المسلسل في حلقاته الأولى.
يستعين يماش ب”عليشو” ليعثر على أحدهم، ومن ثم يعثر عليشو على أحدهم، وهذه نهاية القصة. مرات عديدة تمر دون أن تضع قدرة عليشو والتي تعتبر من أفضل الكويركات الموجودة في المسلسل ضمن اختبار.
يكرر العمل هذا في مواقف عديدة، استخدام مفرط للكويرك دون اختبار فعليّ لها، مما يجعلها في نهاية المطاف مملة. غضب يماش وتصرفاته الطائشة، قدرة عليشو الخارقة على العثور على أي شيء، شجاعة صالح ودهاء سليم… كلها تنتهي في القمامة بسبب استخدامها المتكرر بشكل طائش.
في الحقيقة هناك كويرك وحيدة ذكرتها في الأعلى ولم تستخدم بالطريقة الخاطئة، ولكن لم يكن هذا مقصوداً على الإطلاق؛ دهاء سليم. المميز بخصوص قدرة سليم على الارتداد والخروج بخطة جديدة وتحويل المصائب إلى منافع لصالحه على الأقل في الجزء الأول من المسلسل هو أن هذه القدرة وضعت في الاختبار من اللحظة الأولى واستمرت حتى نهاية الجزء الأول. سليم يضع خطة وتفشل بشكل ما، ومن ثم يحول الخسارة إلى مكسب… هذا يضع ذكائه في اختبار يمكنه اجتيازه.
وعلى ذكر سليم،
ماذا عن البروبغاندا؟
من اللئيم وصف أي شيء ضمن أي عمل فنيّ في العالم بالبروبغاندا. أعني حقاً هذه الكلمة تسلب كل جزء من روح العمل لو آمن المستهلك بها. الكثير من الأعمال العظيمة فقدت قيمتها بنظر ملايين الأشخاص فقط لكونها استخدمت كبروبغاندا في وقت من الأوقات. وربما أظلم الحفرة قليلاً عندما أنعت العمل بكونه بروبغاندا.
ولكن…
عندما يحاول عمل فني أن يجبر المشاهد على تناول فكرة ما، وأعني هنا أن يحشرها في حلقه، يجبره على فتح فمه، ويسكب ماءً أكثر من الماء الذي أشربه على السحور عادة ليكاد يغرقه. عندما يقوم عمل فنّي بهذا، أبدأ بتغيير رأيي عنه.
حتى لو كان الحديث عن العائلة… أعني حتى الحديث عن العائلة عندما يتكرر بالكثافة والطريقة التي تكرر فيها خلال الحفرة سيصبح من المواضيع التي لا يمكن تحملها، ولا تقلق، يحمل المسلسل راية العائلة من الحلقة الأولى وحتى الحلقة المليون، وكل حلقة لساعتين ستسمع فيه خطابات عن العائلة أكثر مما يمكنك إحصاؤه… بعضها حتى يقتبس من الآخر كلمة بكلمة.
لا أحد يكترث، ولا أكترث أنا شخصياً، إن كان عمل ما يحاول أن يكون Woke بعيون النورميز من المجتمع، ولكن الأمر يخرج عن السيطرة بعد فترة محددة ويتحول العمل إلى عمل كوميكي.
وعلى ذكر الكوميكية،
السبب الذي ينير هذه المسلسل في رأسي كل اللمبات الخاصة بالشونين هو أنه في الحقيقة يمتلك كل مواصفات القصة المحورية والحبكة وطريقة التقديم للشونين. الكثير من الخطابات، شخصية رئيسية لا تقهر، الخير والشر أمران واضحان جداً، كل الأشرار جيدون بطبعهم ولكن عليهم أن يكون أشرار فقط لأن… هل ذكرت الكثير من الخطابات؟
حتى بنية كادر الشخصيات مشابهة لتلك الموجودة في أنميات الشونين الأكثر شهرة على الإطلاق؛ الشخصية الرئيسية ودرع الشخصيات الذي لا يمكن فقدانه، يماش وأخوته، ربما يموت أحدهم عندما ينتهي عقده مع القناة، ولكن هل سيموت أحدهم طالما يمكنه أن يتواجد في القصة؟ لا. سيكون هناك دائما صالح، سليم، ويماش… درع الحبكة.
والمثاليات العائلية التي تكاد تصل لدرجة البروبغاندا أيضاً نوع من الأشياء التي يمكن رؤيته عادة في أعمال الشونين، ولكنها أقرب للكوميكية الأمريكية (الموجودة في الكوميكس) التي تمتلك طريقة مميزة في المبالغة بكل شيء.
وعلى ذكر الملل
فكرت وكتبت عن هذا المسلسل السيء بما فيه الكفاية، أعني من الصعب تفسير سوء أمر سيء من الكثير من النواحي التي لا يمكن إحصاؤها، ولكن هيه، أضعت بعض الوقت الثمين في الكتابة لأشغل نفسي عن أشياء أخرى، هذا أمر ممتع دوماً.
وكهدية وداع، هذا احد المشاهد العظيمة التي قدمها هذا المسلسل للبشرية، انتظر قليلاً ومن ثم اشكرني.
اتمنى انك تمزح بالنسبة للمقطع الاخير