النبش في زبالة السينما: العدد الأول – Doom 2005

متعتي الفنيّة الوحيدة التي أعاني عند محاولة تفسيرها لمن لا يمتلك نفس الهواية الغريبة، هي أنّي أستمتع -بشدّة- بالأعمال السيئة. بهذه البساطة، أتابع أفلام الأكشن الأمريكية الرخيصة، وأبحث عن بعض الأفلام التي أذكر سوءها من الصغر، وأتقصّى أخبار الإيسيكاي لأتابع آخر الأنميات السيئة في هذا التصنيف رغم معرفتي تماماً بأنّ هذه الأعمال -بكل تفاصيلها- سيّئة ومتّفق على سوءها.

ولا أقصد هنا الأعمال التي “أعتقد أنا أنّها سيئة” – بل تلك التي مُحيت من ذاكرة من شاهدها، لأنّ أدمغتهم أرادت التخلّص من الصدمة النفسية التي عانوا منها أثناء المشاهدة. الأعمال التي يتّفق النقّاد وغير النقّاد، وحتّى ذاك الشخص العشوائي الماشي في الشارع على سوءها وعدم صلاحيّتها للمشاهدة.

السبب الذي يجعل شرح هذه الهواية صعباً هو أنّي لا أمتلك تفسيراً واحداً لكل ما أقوم به، بالطبع، يمكنني القول أنّ متابعتي للإيسيكاي نابعة من رغبتي في فهم المزيد حول هذا التصنيف، كوني أرغب بكتابة عمل منه، والأعمال السيئة توفّر أمثلة أفضل لما “يجب تجنّبه” بدلاً من محاولة فهم “ما يجب فعله”. لأن الأولى أصعب بالنسبة لي من الثانية. ولكن هذا التفسير سطحيّ، وأعلم أنّه كذلك لأنّني أرغب بكتابة مقال كامل أشرح فيه مشاهدتي لهذا التصنيف.

يمكنني التبرير أيضاً بأنّ ما أقوم به هو مجرّد “تفريغ” لطاقة سلبيّة أمتلكها داخلي، ولا يمكن أن أتخلّص منها سوى بمشاهدة شيء أعلم سوءه، فقط لأحاول فهم “ما يجعله سيّئاً تماماً” دون أن “أزعج” أحداً بمقالات طويلة عريضة عن عملهم المفضّل ومشاكلي معه – ولكن على مَن أكذب؟ أنا أفعل هذا دوماً، ولم يوقفني هذا قط عن الكتابة عن عمل لم يعجبني.

بالخلاصة، لا يمكنني شرح هذه الهواية، ولكن ما يمكنني شرحه هو نوع العقليّة -الـMindset- التي أدخل فيها لهذه الأعمال، وتلك التي أخرج فيها بالنهاية؛ البداية دوماً مع محاولة فهم ما قام العمل بفعله بشكل خاطئ -وجزئيّاً بهدف الضحك والسخرية- والنهاية دوماً بمحاولة معالجة المشاكل التي مرّ بها.

وبهتين العقليّتين، أنا أستمتع فعلاً بمشاهدة هذه الأفلام، ربما بطريقة مختلفة عن تلك التي أراد صنّاعها للمتابعين الاستمتاع بها، وهذا يجعلني أتساءل، هل فشلت هذه الأفلام فعلاً إن كنت لا أزال أنا -وحفنة أمثالي كما أعتقد- يذكرون أسماء أعمالهم ويستمتعون بها؟

الجواب غير مهم، كما هذه المقدّمة. المهمّ هو الفيلم الذي جئت لهذا المقال كي تقرأ عنه:

Doom 2005

من بطولة المصارع الحرّ دواين جونسون، وكارل أوربان (بوتشر من مسلسل The boys، الذي يستحق أيضاً أن يكون ضمن قائمة مشابهة) يأتي فيلم دوم بحبكة مختلفة تماماً عن تلك الموجودة في الألعاب، ولا حتّى قريبة منها. وهذا ليس مشكلة بحدّ ذاته لأنّ قصّة اللعبة ليست أكثر شيء متماسك على وجه الكرة الأرضيّة، ولكن مع متابعة الفيلم ستدرك أن كلّ خيارات “حريّة الاقتباس” التي أخذها الطاقم كانت سيئة تقريباً.

ما عدى أمرين أريد الحديث عنهما من البداية هما أفضل ما في هذا الفيلم: مشهد منظور الشخص الأولى الموجود قرب النهاية، وتصميم الوحش Pinky -الذي حاول صنّاع الفيلم جعله إشارة للسلسلة الأصليّة- والذي بدى رائعاً ومرعباً بنفس الوقت برأيي، ولكنّ كلا هذين الأمرين خارجين تماماً عن السياق ضمن الفيلم.

بقراءتي عن الفيلم، وجدت أن عمليّة إنتاجه مرّت بالعديد من المشاكل، أغلبها كانت بسبب شركة الانتاج والطريقة التي تأجّل فيها الإنتاج وتغيّر النص والهدف من العمل عدّة مرّات، ولكن كلّ هذه المشاكل برأيي أقلّ أهميّة من المشكلة الأكبر؛ وهو ما قرر الصناع تضمينه وإزالته من العمل في النهاية وتوافق هذه الأجزاء مع بعضها.

مارينز الفضاء

لعبة دووم خلقت الكليشيه المسمّى اليوم Space Marine ومع سهولة جعل فيلم يعتمد على هذه اللعبة يجيد عرض هذا الكليشيه، يفشل صنّاعه في هذا؛

الطريقة الوحيدة برأيي التي يمكنك فيها تقديم قصّة “هزلية” بقدر إرسال مارينز إلى قاعدة على المريخ للتصدي إلى جيش من الشياطين بسبب فتح بوابة إلى الجحيم، هو أن تقدّم هذه القصّة بأكثر أسلوب مبالغ فيه على الإطلاق؛ وهذا ما يقوم به صنّاع اللعبة الأصلية: دووم سلاير غاضب حتّى الأبديّة وما بعدها بسبب قتل أرنبه الصغير عند اجتياح الشياطين للأرض.

هل هذا منطقيّ؟ ربما لا، ولكن ضمن سياق الأحداث المبالغ بها، هدف الشخصيّة هذا مفهوم وقادر على إقناعك أنّ تمزيق الشياطين هو الخيار الصحيح. هو دافعٌ للشخصيّة، معروض بأسلوب مناسب للوسط، ويكفي لدفع الأحداث نحو الأمام.

في الفيلم الأمر مختلف، هو لا يتعامل أصلاً مع قصّة مبالغ فيها، لم يفتح العلماء على المريخ بوابة إلى الجحيم بل قاموا باكتشاف [كليشيه خيال علميّ #17567-ب] يحوّل بعض البشر لكائنات خارقة والبعض الآخر لوحوش. لم يكن هناك جيش من الشياطين، بل كان هناك بشر متحوّلون، ولم يقدّم للبطل دافع حقيقيّ بل كان الأمر مجرّد “عليه التصالح مع ماضيه” الذي لا نعرف عنه شيئاً.

وفوق هذا وذاك، الفيلم جادّ تماماً فيما يحاول القيام به، لا يوجد “مبالغات” غير تلك التي تمّ تقديمها في المعركة الأخيرة وسلاح الـBFG – وهذه الأجزاء لا تتوافق تماماً مع ما تمّ تضمينه؛ وجود هذه الأسلحة في اللعبة مترافق مع وجود حرّاس للمنشأة، يتم تحويلهم لشياطين لاحقاً، ولكن في الفيلم لا تبرير لوجود هذا السلاح سوى أنّه مرتبط باسم دووم.

ربما في مرحلة ما كان وجوده مبرراً، ولكن مع تحوّل السيناريو لم يعد هذا صحيحاً. ربما كان الـBFG هنا موجوداً ضمن سياق مختلف، وتم اقتطاع هذا السياق، تماماً كما تمّ اقتطاع المشاهد التي كان من المفترض أن يتصرف الجنود فيها كجنود فعلاً، قبل رفض أحد المسؤولين عن الفيلم الواقعية في هذا السياق، ولكن مع اقتطاع المشاهد على النص أن يتغيّر ليلائم ما تمّ اقتطاعه.

القتال الأخير بين البطل والشرير بنفسه ليس مبرراً أيضاً؛ في كافّة الحالات كان التحوّل لأحد الوحوش إمّا لحظياً أو بعد الموت، ولكن لملائمة الحبكة، يبقى الشرير في حالة القوّة والوعي لفترة طويلة قبل أن يتحوّل لوحش فعليّ – ربما لم يرد منتجو العمل تضييع فرصة استخدام وجه دواين جونسون ضمن الأحداث.

محاولة فاشلة في الرعب

على عكس المشكلة السابقة، محاولة فهم فشل الفيلم في تقديم الرعب أمر أصعب قليلاً.

أولاً، هو مبنيّ على الجزء الثالث من اللعبة، والتي حاول صنّاعها أن يقدّموا فيها أجواء مرعبة، وهذا يبرر محاولة اعتماد الفيلم على أجواء الرعب كفكرة رئيسيّة، ولكنّ ما تجاهله صنّاع الفيلم أنّ اللعبة اعتمدت بشكل رئيسيّ على كون الشياطين أكثر قوّة وخفّة من اللّاعب، وكون اللّاعب وحيداً في مواجهة هذه الشياطين التي لا يعرف مصدرها.

بينما في الفيلم كان المتحوّلون مختلفين قابلين للقتل بسهولة، وربما كان عددهم بنفس عدد أعضاء الفريق في البداية أو أقلّ. وقبل أن يشكّل المتحوّلون أيّ خطر حقيقيّ (بسبب كثرة عددهم) يصبح بإمكان الشخصيات الموجودة في الفيلم فهم ما يجري، ولا يعود الخطر “مجهولاً” فعليّاً. الشخصيات التي تموت في الفيلم لا تموت بسبب قوّة المتحوّلين وإنما بسبب أخطاء وتصرّفات غبيّة، وفي أكثر من نقطة -عندما يقررّ صنّاع الفيلم أنّ هذا ممكن- يقتل الجنود بعض المتحوّلين بأسلحتهم العاديّة.

ربما تراكم كلّ هذا، إضافة لكون الفيلم لا يقدّم سوى ترعيبات Jump scare رخيصة طوال الوقت، وكون الشخصيّات غير مهمّة أساساً – ربما هذا ما يجعلني “لا أرتعب” كما المفترض عند مشاهدة هذا الفيلم، وربما ما يرعبني مختلف عمّا يقدّمه الفيلم، ولا يمكنني تبريره لأنّي لست ضمن الفئة المستهدفة أساساً.

ذروة مفسدة

في الربع الأخير من الفيلم، يحاول الصنّاع تقديم Power Trip من منظور البطل، تتضمن المشهد الجيد المعروض من منظور البطل.

برأيي المتواضع، لو كان الفيلم كلّه عبارة عن Trials and Tribulations للبطل، يحاول فيها تخطّي نقاط ضعفه والتغلّب على مخاوفه التي لا نعلم عنها سوى القليل، لكان هذا المشهد الأخير مبرّراً كافياً لأستثني هذا الفيلم من مقال مشابه لهذا. الـPower Trip بشكل عام مفهوم لا أكرهه في أفلام الأكشن، خصوصاً بعد عناء طويل للبطل، ولكن هنا لم يكن التحضير لهذا الجزء من القصّة موجوداً أصلاً.

البطل يحصّل قدراته عبر “مصل تحويل الجينات” الذي لا ندري سبب عمله عليه دوناً من غيره، وبعد ذلك يخرج من الغرفة ليبحث عن اخته التي خرجت من الغرفة بطريقة ما ليقتل الشياطين بنفس الطريقة التي كان يقتل فيها الشياطين قبل أن يمتلك القدرات الخارقة. وعندما نكتشف قدراته الكاملة في قتاله مع الشرير في النهاية، لا يكون هذا مرضياً، لأنّها لا تبني على شيء سابق رأيناه في أحداث ماضية.

ما يجعل أيّ Power Trip فعّالة برأيي هو أنّها تتضمن أجزاء من ماضي البطل، أجزاء استطاع التغلّب عليها، وأصبح الآن قادراً على استغلالها في القتال لتخطّي خصومه بدلاً من كونها نقاط ضعف له. دووم نفسها تقدّم هذا المفهوم بأفضل طريقة ممكنة برأيي؛ فهي تجعلك تقاتل شيطاناً ما كـBoss في مرحلة ما، ثم تبدأ برميه عليك ضمن مجموعات الأعداء العاديّة المنشورة حول اللعبة.

في المرة الأولى تتعلم تخطّي العقبة، تمرّ باختبار صعب يضعك على طرف الكرسيّ، ومن ثم تبتسم اللعبة لك وتطلب منك الاستمتاع بهذه التقنية الجديدة التي تعلّمتها لقتال مجموعة من هؤلاء بنفس الوقت.

حتى هذا المفهوم المرتبط بالسلسلة محورياً، يفشل صناع الفيلم في ربطه بالقصة المحوّرة وتقديمه بشكل مقبول في النهاية.

لماذا إذاً عليّ مشاهدة هذا الفيلم؟

السبب الرئيسيّ الذي دفعني لإعادة مشاهدة هذا الفيلم في هذه الفترة هو أنّني على وشك إنهاء Doom Eternal بعد أن عدت لقراءة Lore اللعبة من الجزء الأول وحتى النهاية، وأعدت أيضاً تجربة بعض الأجزاء السابقة من اللعبة التي أنهيت أغلب أجزاءها سابقاً. سبب عودتي لهذا الفيلم مشابه لسبب عودتي للألعاب السابقة؛ أردت تذكر مدى سوءه/جودته.

بالمختصر، يقدّم لك هذا الفيلم فكرة عن صعوبة النقل بين وسطين مختلفين جداً من الميديا؛ الأوّل الألعاب، وسط يعتمد على تفاعل اللاعب وقدرته على التحكم في ما يجري في اللعبة ومعايشة أحداثها، والثاني هو الافلام، وسط يعتمد على قيادة المشاهد حول القصّة، دون أيّ مدخول منه.

في الحالة الأولى، إعتمادك على عناصر مثل الرعب المبنيّ على الأجواء، وإشعارك اللاعب بالقوّة المفرطة، وتقديم اختبارات مناسبة لدفع اللاعب نحو تحقيق إنجاز معيّن ممكن جداً، بينما في الحالة الثانية الاعتماد على هذه العناصر يأتي بثمن مختلف، سأتحدث عنه ربما في جزء آخر من سلسلة المقالات هذه عندما تتاح لي الفرصة للحديث عن أفلام الأكشن التسعينية/الألفينيّة الرخيصة.

يمكنك أيضاً ملاحظة تأثير السياق والتناسق بين أحداث الفيلم على جودته، وأهميّة إعادة الكتابة أو على الأقل ضبط تناسق السيناريو بعد إجراء التعديلات عليه واقتطاع أجزاء منه لتبقى القصّة قادرة على تنفيذ المطلوب منها. هذا بعد تحديد الهدف منها أصلاً ومحاولة الوصول إليه في النهاية.

2 تعليقات

  1. حسبت انه بما انه اسمه العدد انه راح تتكلم عن عدة مسلسلات سيئة بس افتر اول نايس جوب

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *