خارج السياق #5: أين أنا الآن؟

قبل سنوات، بدأت هذه السلسلة من التدوينات في سعي للتخلص من المسودات العالقة والأفكار نصف المطهوّة التي لم أجد طريقاً للتعبير عنها، ولكن ما أفضت إليه قناعاتي في السنوات الأخيرة قادني -متوقعاً- إلى تخفيف كثافة ما أنشره، والاعتياد على هذه القناعات أدّى -متوقعاً أيضاً- إلى وفاة هذه السلسلة سريريّاً حتّى الآن.

المثير للسخرية، أنّ آخر مسودّة حملت اسم “خارج السياق #5” كانت قبل عامٍ ونصف، وقد سبقتها مسودتان تحملان الاسم ذاته، وفي إحداها أردت الحديث عن انخفاض رغبتي في مشاركة الافكار الشخصيّة وتأثيرها على كثافة ما أكتب، لكن لم يطل الأمر قبل أن أتوجه للبثوث الحيّة لتغطية بعض تلك الأفكار بدلاً من التدوين.

هذا العدد من خارج السياق برعاية: دليل تجهيز خطّة المحتوى – احصل على خصم 50% باستخدام كود content10.

البثوث الحيّة

أنشر في قناتي بثوثاً حيّة، يدور بعضها حول مواضيع مرتبطة بالعمل، وتميل في الفترة الأخيرة إلى الزاتسودان: الأحاديث العشوائيّة التي تركّز على التفاعل مع المتابعين من الخلال ميّزة التشات في البثّ، وهذا قد حلّ محلّ كثيرٍ من النصوص “الخفيفة” التي كنت أنشرها.

أثارت البثوث الحيّة اهتمامي منذ زمنٍ طويل، وكنت قد التزمت بها لفترة قصيرةٍ في السنوات السابقة على منصّة تويتش لمشاركة بثوث الألعاب، لكن كلّما أردت بثّ موضوعٍ ذا فائدة، عدت إلى يوتيوب كونها تتيح ميزة حفظ البثّ وإمكانيّة وصول المتابعين له بسهولة، ومشغّل الفيديو فيها أفضل بمراحل، وهي مستدامةٌ أكثر بنظري.

الآن أبثّ حصراً على يوتيوب رغم وجود قناةٍ لي على تويتش وإمكانيّة البثّ المزدوج -كون عتاد جهازي يسمح بهذا- لكن أجد في المنصّتين اختلافاً يجعلني أستحسن يوتيوب وأرفض البثّ على تويتش، ولو لم يكن هذا الاستحسان مبنيّ بالكامل على حقائق ودلائل علميّة، إلّا أنّي وجدت في يوتيوب مساحةً أفضل للتعبير عن الأفكار، ومتابعين أكثر جدّيةً.

شجّعت في الفترة السابقة كلّ من سألني من أصدقائي حول صناعة المحتوى إلى تجربة محتوى البثوث، فهو برأيي الأسهل للتجربة، والأسهل في إعادة التوظيف، والأسهل للتحضير. وناهيك عن كلّ ذاك، تجربة البثوث الحيّة مختلفة تماماً عن تجارب المحتوى الأخرى، ولن تدرك مدى اختلافها قبل تجربتها.

ما زلت في بداية الطريق بما يتعلّق بمحتوى البثوث، وأدرك تماماً أنّ كثيراً من آرائي ومشاعري حول المجال ستختلف مع الوقت، وستختلف حتماً مع زيادة عدد المتابعين والمشاهدين، لكن في الوقت الحالي، أرى في هذه المنصّة طريقاً ممتازاً للبداية، خصوصاً لمن يبحث عن مساحةٍ “أقلّ جدّية” للتعبير.

التعبير عن الرأي

إحدى الملاحظات المتكررة التي وصلتني حول دليل المواطن الرقمي لتجنب العفن الروحي هو أنّ المقالات فيه تظهرني على الحياد دائماً، أو للدقّة؛ لا يظهر فيها رأيي الشخصيّ إطلاقاً. وهو أمرٌ غريب، فبنظري، كلامي ضمن السلسلة يحمل ما يحمله من النظرة الشخصية والتعبير عن الرأي بمختلف المواضيع، لكن لهذا السؤال تبعاتٌ كثيرةٌ برأيي لا تقتصر على السلسلة ذاتها.

أعتقد أنّ أمر “التعبير” على الإنترنت أمرٌ يستحق الحديث المطوّل، وأن آرائي الشخصيّة حول الكلام الموجود في السلسلة – كونها لم تكن واضحةً بما فيه الكفاية داخلها، يجب أن تعرض ربما في مقالاتٍ تعقيبيّة خارجها، كحديثي القديم عن الرومانتيكية في بعض المقالات السابقة، وكلامي المطوّل في البثوث عن الاستفزاز والعاطفيّة الزائدة.

لكن في الواقع، الأمر لا يقتصر على المحتوى الشخصيّ، بل يتعدّى ذلك إلى الأحداث اليوميّة، والتفاعلات الرقميّة مع من أعرفهم ومن لا أعرفهم.

يصعب عليّ في الحقيقة صياغة ما أبني عليه تصرّفاتي في نقاطٍ مفهومة للجميع، فهي في النهاية مبنيّة على الحدس لا على المنطق والقواعد الجامدة، وفي كثيرٍ من الأحيان أجد نفسي خارجاً عن “بعض القواعد” التي قد سننتها لنفسي عبر السنوات للتعبير عن أمرٍ ما، لهذا لا أشارك هذه القواعد أصلاً ونادراً ما أذكر بعض مواقفي الصلبة والثابتة حول التعبير عن الذات على الإنترنت.

ما يجعل الأمر سوءاً في الحقيقة هو أنّي أستفزّ في كثيرٍ من الأحيان لمحاولة شرح هذا الحدس، وكيف يعجز الكثير من الأشخاص عن امتلاكه، ثم أذكر أنّي في نهاية المطاف عاجز عن التعبير عنه بوضوح.

لذا أردت أن أحاول فعل هذا بالحديث عن أمرين أساسيّين أرى أنّهما يؤثّران في نظرتي حول التعبير عن الذات على الإنترنت، عسى أن يكون في هذا الحديث توضيحاً بسيطاً لما أبني عليه تصرفاتي:

الأول هو قناعتي بأنّ أغلب الأمور التي تمرّ على السوشال ميديا لا نفعاً حقيقياً من التعبير عن الرأي فيها. ولإثبات هذا، حاول تذكّر المواقف الخمسة الأهمّ التي اتّخذتها من قضايا انتشرت على السوشال ميديا.

في الفترة الحالية، يدور نقاشٌ طاحنٌ حول موضوع العرنجية، ولو أنّ هذا النقاش محصورٌ في دائرة أهل الألعاب والأنمي، إلا أنّه ولهؤلاء كان نقاشاً عظيماً، اتّخذ كثيرٌ منهم فيه مواقف حاسمة. يدور نقاشٌ طاحن أيضاً حول أمر زواج الأقارب، وحول أمر الذكورية والأنوثة والريدبل، ويدور نقاشٌ حول الاستثمار يستهزء فيه الكثير من مستخدمي تويتر بشخصٍ صغيرٍ بالعمر يسجّل نفسه وهو يتحدّث عن النصائح المالية.

يمكنك توزيع المواضيع السابقة بأيّ شكلٍ تريد، بعضها مكرر ويعود للظهور كلّ فترة، بعضها نيش، وبضعها تريندي… في الحقيقة كلّها عديمة الأهميّة.

لا أقصد هنا أنّ امتلاكك لرأيٍ حولها عديم الأهميّة، بل بعضها مهمٌ وله تأثيرٌ على حياتك، لكن واجه الواقع، أغلب ما ذكرته ولو خضت نقاشاً طاحناً حوله على تويتر، لن تعود له ولن يؤثّر على حياتك شبراً واحداً.

ولنقل أنّ أمر زواج الأقارب مثلاً يهمّك، سواء كنت معه أم ضدّه، ما العجلة في اتّخاذ موقف حاسمٍ الآن وليس غد، وما الحكمة من مشاركة هذا الرأي مع أناس لا علاقة لهم بقرارك. ما الحكمة من التعبير عن رأيك في هذا على العلن؟ إلا إن كنت مبشّراً بتوجّهٍ ما، لعقيدةٍ أو لغرضٍ سياسيٍّ أو ماليّ أو غيره.

لا نفع من الاستعجال في التعبير، ولا نفع من التعبير نفسه إن لم يكن لغاية.

الأمر الثاني الذي أبني عليه تصرفاتي في هذا السياق هو أنّ التعبير عن الذات ضروريٌّ قطعاً لبناء شخصيّة حقيقيّةٍ قادرةٍ على الدفاع عن معتقداتها وآرائها. الجدال العقيم هذا على السوشال ميديا ضروريّ لتصبح قادراً على الأخذ والرد، ولتعلم حقيقةً إن كان الرأي الذي تعتنقه منطقياً أم لا. وهو ضروريّ أيضاً لألّا تكون إمّعةً عديم الموقف عديم المبادئ.

بالطبع، عليك دراسةُ هذه المواقف والتفكير بها جيداً قبل اتّخاذها، والصبر على الجدال فيها، والعدول عنها إن لم تكن صائبة، لكن في النهاية عليك امتلاك موقف أولاً لتكون قادراً على تصحيحه.

أبقي في هذا السياق تحفّظي على أمورٍ كثيرة، فالحديث عن بعض الأمور في بعض السياقات خطير، ومثال القضيّة الفلسطينيّة واضح، فالحديث عنها بأساليب معيّنة وفي سياقاتٍ معيّنة قد يقود بقائله إلى السجن في بعض الدول، وأسوأ ربما في غيرها. بينما في دولٍ أخرى من العيب والمخجل أن يصمت الناس عنه.

أقول شخصياً أنّ في هذا الأمر نظرٌ طويل، ولمعرفة الحال دورٌ كبير في أخذ القرار، ولكلّ شخصٍ تقديره.

والاعتماد على هذين الأمرين أتّخذ الكثير من المواقف حول ما يعبّر الناس عنه على الإنترنت: بعضها بالنهر والاستهزاء، وبعضها الآخر بالتفهم، وبعضها بالقلق والخوف على صاحبها.

أعلم تماماً أنّ هذا الحدس يختلف من الشخص للآخر، وأنّ لبعض الناس تقديرات تختلف عن غيرهم، لهذا يندر تعليقي على أسلوب تعبير الناس، رغم المغريات.

الأفلام

شاهدت في صغري عشرات الأفلام على شاشة التلفزيون -ومن أشرطة الCD المقرصنة- وكانت جلسات المشاهدة العائليّة جزءاً مهمّاً من روتين المنزل، خصوصاً في فترة العصر وبعد العشاء، لكن بعد وصولي لتركيا لم أجد لهذا الروتين مكاناً بسبب الانشغال وبسبب شحّ الرفقة الراغبة – خصوصاً أنّ دوائري حينها كانت غارقةً بالأنمي.

تغيّر هذا في السنة الأخيرة، فقد عادت الأفلام جزءاً من الروتين الشخصيّ، ولو أنّ رأي أصحابي بما أقترح مشاهدته عادةً هو أنّ ذوقي هو ذوق “MBC2” – وأنّي أبحث دوماً عن قمامة الأفلام السيئة، إلا أنّي أجد نفسي أستمتع بالجيد منها أكثر من السيء في الحقيقة، عكس الأنمي.

قد يكون السبب في هذا أن الاستثمار في مشاهدة فلم رديء أكبر مقارنة بحلقةٍ أو حلقتين من أنمي لن أعود له بحياتي، وقد يكون لأنّ الأفلام يصعب عليها أن تصل لمرحلة “السوء المضحك” بسهولة.

بأي حال، أستمتع حالياً بالنظر في الأفلام ومحاولةِ فهم ما يحاول الصانع قوله من خلالها، سواء كان مخرجاً أو كاتباً، وأرى أنّ ما أكسبها منها في سياق فهم الفنّ كبير.

ما يميّز متابعتي للأفلام برأيي هو أنّي لا أشارك الرأي حولها في أيّ مكانٍ عامٍ على الإنترنت، ورغم امتلاكي لحسابٍ على letterboxd إلّا أنّي لا أستخدمه سوى في تسجيل تاريخ المشاهدة، وأكتب نادراً جداً تعليقاً مقتضباً جداً عن الفيلم، لا يزيد عن جملةٍ أو جملتين.

ربما سبب هذا معرفتي أنّ دوائري لا تكترث بالأفلام حقيقةً، أو ربما لأنّي أبحث دوماً عن هوايةٍ شخصيّة لا أشاركها على الإنترنت، رغم كثرة هذه الهوايات عندي في الحقيقة.

بالمقابل، أجد في عدم مشاركتي هذه بعض العيوب، فكثير من الأفلام التي تابعتها لم تعد في الذاكرة، وما بقي منها هو نظرتي لها، دون تفسير ملموس، ما جعلني أرغب بتدوين أفكاري بغض النظر عن رغبتي في مشاركتها لحفظ السياقات لا أكثر.

تحدثت في بعض البثوث الحيّة حول بعض الأفلام التي شاهدتها، لكن بعد تفكير في الأمر، قررت تجنّب مشاركة الكلام حولها على البثوث، فكثيرٌ منها فيه ما لا يلائم، ولا أريد لهذا أن يبقى محفوظاً للأبد في مقاطع مسجّلة.

كاواي أنمي

يصل بين الفينة والأخرى سؤال حول كاواي أنمي ومصير الموقع، وأجيب كالعادة أنّ الموقع لا يزال على قيد الحياة، ولن يموت طالما في جيبي ما يكفي لتشغيله ولو لم يصل منه أي قرشٍ، خصوصاً وأنّه أصبح الأرشيف غير الرسمي لكثير من المواقع الأخرى التي سقطت من الشبكة.

أرى أنّ مشكلة كاواي أنمي، إضافةً لكونها مشكلةً حقيقيّةً مرتبطة بوقت أعضاء الفريق ورغبتهم بالكتابة وصناعة المحتوى في الآونة الأخيرة، هي في أساسها مشكلةٌ في عجزي -كمسؤول عن المدونة- في استقطاب كتّاب محتوى جدد.

يمكنني التحجج بكون المحتوى المكتوب أقل جاذبيّة من المحتوى المرئي، ويمكنني التحجج بأنّ أغلب صنّاع المحتوى الناشطين في مجال الأنمي قدّ أوقفوا النشر بالفعل وربما دون عودة، لكن الجزء الأكبر من المشكلة يقع في عدم وجود تدرّجٍ فعليّ في الموقع، بين المحتوى القادم من المبتدئين ومن أولئك القدماء في المجال.

أرى أنّ الكتّاب الجدد يقعون فوراً في فخ المثاليّة والمقارنة مع المقالات الموجودة في الموقع، وأقع أنا -كمسؤول عن التحرير- في فخّ التحرير الزائد و”المساعدة” التي تشعر الكاتب بأنّ نصّه غير كافٍ، ولو كان التحرير فعلياً أمرٌ لا بأس منه ولا عيب فيه.

أفكّر في الأشهر الأخيرة في استقطاب المزيد من الكتّاب للموقع، لكن لا أزال عاجزاً عن العثور على حلٍّ فعليّ، خصوصاً وأنا الآن -نوعاً ما- خارج دوائر الأنمي.

التصوير

يعلم من يعرفني شخصياً أنّي لا أظهر في الصور، وأنسى في كثيرٍ من الأحيان التقاط الصور التذكاريّة حتّى مع أشخاص قد لا أراهم مجدداً، رغم أنّي أحاول جاهداً تذكّر الأمر، لكن عدا عن هذا الأمر، ومنذ قدومي لتركيا، وأنا ألتقط الصور لكلّ مكانٍ أزوره – دون وجودي أنا في الصورة.

شاركت قبل سنواتٍ هذه الصور في حساب 500px وحاولت بناء قاعدة متابعين مهتمّة بما أصوره في تلك المنصّة، رغم إمكانات هاتفي المتواضعة، وفي النسخ الأولى من هذا الموقع كان هناك قسمٌ خاصٌّ للصور، لكن مع الوقت لم أجد سبباً للمشاركة.

في الآونة الأخيرة عدّت لمشاركة هذه الصورة، أحياناً على حسابي على تويتر – خصوصاً لزرعاتي الجديدة، وأحياناً على سيرفر الديسكورد، وأجد في هذا تفريغاً جيداً لرغبتي في المشاركة على الإنترنت.

الجميل في الصور أنّها لا يجب أن تحمل الكثير من الوصف والكلام، ولا يجب فيها التعبير عن الرأي بالتفصيل، ولا يجب على ملتقطها أن يخضع لاستجواب حول سبب النشر وسياقه. يمكنك ببساطة أن تنشر صورةً وجدّتها جميلة، وسيراها أحدٌ آخر على ذلك، وسيعجب بها، وربما يعيد نشرها، وسينتهي الأمر عند ذلك.

أحاول الآن اعتصار بعض المال الإضافيّ الزائد عن الحاجة لشراء كاميرا DSLR للتدرّب على التصوير كهواية أخرى لا أشارك الكثير عنها على الإنترنت، على أمل أن أكون قادراً على شرائها قبل السنة القادمة.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *