أفكر بجدية في ترك صناعة المحتوى والاتجاه لتعلم شيء آخر كعلوم البيانات، ما رأيك؟
السؤال:
أفكر بجدية في ترك صناعة المحتوى والاتجاه لتعلم شيء آخر كعلوم البيانات، ما رأيك؟ وسبب ذلك أنني أريد مهنة تعمل مع الأجانب، ولا تسعفني لغتي الإنكليزية بالقدر الذي يرضيني وآخذ فيه حريتي. ما رأيك في هذا القرار في ضوء المنطق وطبيعة عملك؟ وكيف أتجه -مهما تكلف الأمر من تعب ووقت- إلى العمل في آب ورك أو فايفر وخلافه، وبعدها العمل في شركة أجنبية؟ -هل لك سابق تجربة في ذلك؟- أم أن أضواء الحاضر، تسلط النور على تباشير نجاح التجربة العربية؟ تجاربي مع منصات العمل الحر سيئة في المعظم جربت أربعة، وسيئة أيضًا مع العملاء خارجها. أرجو منك إسعافي خاصةً في النقطة الأولى. ورمضان مبارك عليك، وأعتذر على التطويل
رمضان مبارك عليك وعلى الجميع، في الحقيقة سؤالك منطقيّ جداً وسأقدّم لك رأيي بخصوص العمل في مجال صناعة المحتوى بشكل عام، ثم سأحكي القليل عن تجربتي في العمل مع المشاريع العربيّة بمختلف المجالات.
العمل في مجال صناعة المحتوى مقابل مردود ماديّ على كلّ قطعة تصنعها، كتابة المقالات للمواقع الأخبارية، أو صناعة الفيديو لقناة شركة أو مجلّة ما، أو تصميم الصور والإنفوغراف لحسابات السوشال ميديا، برأيي هي مجرّد خطوة يجب أن يمرّ عندها أيّ شخص يرغب في بناء مهنة في العمل على الإنترنت، لكن لا يجب أن يبقى فيها مطوّلاً.
السبب في كلامي هذا أن بيع المحتوى على القطعة، إن صحّت التسمية، غير قابل للتضخيم – Unscalable ولا يمكن بناء مستقبل مستقرّ عليه، كما أن المهارات التي ستكتسبها أثناء صناعة المحتوى يجب أن تتيح لك العمل في مجالات أكثر استقراراً مع الوقت. كما ينطلق الكاتب ليصبح لاحقاً مدير تحرير أو خبير SEO بحسب المهارة التي اكتسبها أثناء عمله في الكتابة، هناك طرق أخرى لبقيّة المجالات للحركة للأمام.
لذا هو ممرّ جيّد لكن ليس مكاناً جيداً للبقاء.
عليك أيضاً أن تأخذ بعين الاعتبار أنّ صناعة المحتوى أمرٌ مرهق فكرياً وغير مستدام على الإطلاق، وقدرتك على صناعة المحتوى بكثافة ستقلّ وتخبو مع الزمن. لذا كما يخطط أصحاب الحرف اليدويّة لطريق تقاعدهم عبر تعليم أشخاص آخرين وانتقالهم إلى مستويات إدارية أقلّ استنزافاً في العمل، عليك التفكير بنفس الأمر.
أما بالنسبة لصناعة المحتوى الشخصيّ واستثماره، كامتلاك مدوّنة أو قناة يوتيوب أو ما شابه، فهو استثمار لا يكلّف الكثير ويمكن أن يعود عليك بالكثير من النفع، لذا أنصح دائماً بالاستمرار في صناعة هذا النوع من المحتوى حتّى بعد الانتقال لمسار وظيفيّ آخر، لأن الفائدة منه أكبر في تنمية مهاراتك واكتشاف نقاط قوّة جديدة. صناعة المحتوى الشخصيّ تدفعك لتكون “فريقاً من رجلٍ واحد” وهذا يتيح لك فرصة الإطلاع على جوانب أخرى من العمل ربما لم تكن لتطّلع عليها عند العمل مع الزبائن.
لذا كإجابة على السؤال الرئيسي: نعم أنصحك في التوجه للعمل في أيّ مجال آخر طالما اكتسبت من صناعة المحتوى الخبرة الكافية. ولكن أبق على الهواية حيّة ففيها نفعٌ برأيي.
أما بالنسبة للشق الآخر من السؤال، بخصوص مجال العمل في علوم البيانات، فأنا صراحةً لا أعلم الكثير عن هذا المجال لا عربياً ولا أجنبياً، لذا لا يمكنني التعليق على مدى جدوى تعلّمه ومدى توافر فرص العمل فيه.
نظرتي لمنصات العمل الحرّ
بالنسبة لمنصّات العمل الحرّ، صراحة لم أجد شخصيّاً أي نفع من التواجد عليها – كل الأعمال التي حصلت عليها في حياتي جائت عبر أشخاص مباشرةً، بمجرد بناء شبكة علاقات طيّبة وسمعة طيّبة في المجال وخبرة جيدة، يمكنك الحصول على عمل في مجال صناعة المحتوى بسهولة. حتّى كشخصٍ “يوظّف” الناس، لم أعتمد حتّى الآن ولا لمرة على مواقع العمل الحرّ العربيّة، بينما اعتمدت على الاجنبيّة فقط في عمولات الرسم (كصورة حسابي على تويتر).
أما العمل مع العملاء مباشرة فأنا أيضاً لا أنصح به لمن يبدأ حديثاً – إن كنت كاتباً على سبيل المثال وتبحث عن صاحب مشروع لتوظيفك، فأنت تبحث في المكان الخاطئ. سأشرح لك السبب ثم سأخبرك بالحل:
أولاً: أنت تعرض منتجاً لا يقدّم نتيجةً مرئيّة لصاحب العمل دون تناغم مع العديد من العناصر الأخرى، وإن كنت ستعرض كلّ ما يتعلّق به فسترهق نفسك دون جدوى؛
على سبيل المثال، الكتابة وحدها لا تكفي، عليك إنتاج خطّة محتوى ودراسة الكلمات المفتاحية وتقديم توقّعات لزيادة الزيارات والتحويلات لصاحب الشركة، ثم عليك كتابة المحتوى وتدقيقه وإنشاء التصاميم التي تحتاجها داخله، ثمّ عليك تنسيقه وجدولته على الموقع ثم نشره على السوشال ميديا.
لن يكون المحتوى “ناجحاً” بنظر صاحب الشركة دون وجود هذا التناغم، ولن تكون قادراً على تحقيقه بشكل مستدام دون وجود فريق مساعد.
ثانياً: أنت تفترض أن أصحاب الأعمال لديهم الخبرة الكافية لمعرفة أهميّة محتواك لمشاريعهم؛
وهذا غير صحيح بالمطلق، ما يهمّ أصحاب المشاريع هو تحقيق الأرباح وزيادة الأرقام، إن لم تكن قادراً على إظهار اختلاف عبر محتواك في نتائجهم، أو تقديم خطّة قابلة للقياس، فلن تنجح في إقناعهم بالعمل معك. لذا من الأفضل تضمين “مسؤول تواصل” ضمن الفريق المذكور آنفاً.
أو في الحالة الأخرى، يوظّف صاحب العمل شركة أو مدير محتوى لتنفيذ هذه المهمّة، لذا التواصل مع صاحب العمل لن يكون نافعاً لأنّه ائتمن شخصاً آخر بهذه المهمّة، وعليك التواصل معه أولاً بدلاً من التواصل مع صاحب العمل مباشرة. وهذا يعيدك للعمل مع فريق مرّة أخرى.
ثالثاً: أنت تضع حقّك في يد الزبون دون ضمانات؛ من الأفضل وجود اتفاق رسميّ بينك وبين الزبون يضمن حقّك كصانع محتوى، سواء كان هذا الحق مادياً أم معنوياً. لذا من الأفضل تضمين “جهة موثوقة” في الفريق المذكور آنفاً.
ما أحاول الوصول إليه هنا هو أنّ صناعة المحتوى ضمن فريق -غالباً- يوفّر عليك الكثير من الصداع. ولكن هذا لا يعني أنّه عليك الانضمام لأيّ فريق كان.
ما عليك البحث عنه هو وكالة لصناعة المحتوى – غالباً وكالة للتسويق بالمحتوى، عملك عبر وكالة سيضمن حقوقك ويرفع عنك الكثير من الضغوطات، وإن اخترت الوكالة المناسبة فستحصل على عروض أفضل وأكثر راحةً مما ستحصل عليه من عملك المباشر.
على سبيل المثال، في وكالة التسويق بالمحتوى التي أعمل بها حالياً، يتضمّن فريق الكاتبة محررةً ومدققة لغويّة ومسؤولاً عن السيو والنشر على الموقع، ويتضمن الفريق العديد من الكتّاب المتخصصين القادرين على مساعدة الكتّاب الجدد لتحسين مستواهم – هذه البيئة تسمح للكتاب بالتركيز على عملهم وإنتاج أفضل محتوى ممكن، وتساعدهم أيضاً في استكشاف خيارات مستقبلية أكثر استقراراً للعمل.
تضمن الوكالة أيضاً حقّ العاملين فيها مادّياً – فهي من تدفع للكتّاب لا الزبون مباشرة بغض النظر إن تأخّر الزبون عن الدفع أم لا، وهذا أيضاً جانب إيجابيّ آخر للعمل في فريق بدلاً من العمل وحيداً.
تأخذ هذه الوكالات عقوداً من زبائن يطلبون المحتوى لمدوّناتهم ومواقعهم، وتوزّعه على فريق متخصص، وتشكّل صلة وصل بين صانع المحتوى والزبون وتسهّل عملية بدء وانهاء العمل.
هذا النوع من الوكالات موجود عربياً وأجنبياً، ومنه الصغير والمتوسّط والكبير، ومنه الصميميّ والشوارعيّ والشركاتيّ والرسميّ، ابحث عن وكالات التسويق بالمحتوى على لينكدن وابحث ضمن هذه الوكالات عن مسؤولي إدارة المحتوى والمحررين ومن لهم علاقة إدارية بمجال صناعة المحتوى وحاول التواصل معهم إن كنت ترغب في التقديم على عمل. أغلب هذه الوكالات تبحث بشكل مستمر عن متعاقدين أحرار في مجال صناعة المحتوى، أو حتّى عاملين براتب ثابت.
في أسوأ الأحوال، إن لم تحصل على عمل مباشرةً، سيبقى ملفّك وسيرتك الذاتيّة موجودان لديهم، وبحسب خبرتي في هذا المجال، إن كانت ملفّاتك مقنعة وجيّدة فستكون ضمن الخيارات الأولى للتوظيف قبل البحث عن أشخاص آخرين.
الجانب السلبيّ الوحيد لهذا النمط من العمل برأيي هو المدّة الطويلة التي قد تحتاجها للعثور على شركة جيّدة والاستقرار في العمل معها وإثبات جدارتك.