لماذا لا نمتلك وجهاً عربياً مثل PewDiePie؟

إن كنت لا تدري من هو PewDiePie أصلاً فأنت غالباً تعيش على صخرة في الفضاء. PewDiePie هي قناة اليوتيوب الأكثر اشتراكاً على الإطلاق بقاعدة متابعين تصل لل62 مليون مشترك، صاحب القناة السويدي فيلكس شيلبرغ -أو جيلبرغ، من يدري كيفية لفظ هذا الاسم بشكل صحيح- هو أحد أكثر الأشخاص تأثيراً بالمنصة في السنوات القليلة الماضية، لنقل في السنة الماضية تحديداً إذا كانت تلك السنة التي لمع فيها نجمه.

فيلكس يقوم بنشر الفديوهات على قناة اليوتيوب خاصته منذ سنوات طويلة، قدّم خلالها الكثير من المحتوى المتعلق بألعاب الفيديو والمحتوى الترفيهي والكوميدي وأشياء أخرى. قبل سنة ونصف تقريباً كان فيلكس جزءاً بشكل غير مباشر من شبكة ديزني وكان يعمل على سلسلة فيديوهات خاصة على شبكة يوتيوب ريد المخصصة للمشتركين الذين يدفعون المال لرؤية المحتوى السخيف ذاته الموجود على يوتيوب بجودة أعلى وبطاقم عمل أكبر.

بأي حال، في العام السابق وبعد مجموعة من المشاكل خرج فيلكس من قائمة الأشخاص الجيدين الخاصة بغوغل ويوتيوب وديزني بعد ادعاءات عن كونه شخصاً معادياً للسامية -بسبب مزحة سخيفة عن قتل اليهود- وبعدها تحوّل فيلكس من انتاج الفيديوهات الدورية التي تجلب له المال، إلى إنتاج الفيديوهات دون أي قيود، فقط لأنه يريد إنتاجها.

بالطبع لم يكن الانتقال سهلاً ومن الواضح ذلك على تغيّر أحوال القناة منذ بداية المشكلة وحتى بداية السنة الحالية، ولكن منذ بداية عام 2018 بدأت القناة تأخذ اتجاهاً جديداً، اتجاهاً أفضل بكثير مما سبق، وهذا ما جعلني أعجب بشخصية فيلكس بشكل أكبر وأتمنى لو كان لدينا وجه عربيّ مشابه. وهذا سبب كتابتي لهذا المقال، ليس لأنني أريد الحديث عن الدراما الدائرة في يوتيوب، وإنا لرغبتي بالحديث عن الأشياء التي تجعل فيلكس شخصاً يستحق الاحترام، ولماذا نحتاج كمجتمع عربي شخصاً مشابهاً.

ما الذي يجعل من فيلكس شخصاً يستحق الاحترام؟

الأفعال لا الأقوال:

وهذا أمر بديهي بالنسبة لي، فيلكس منذ بداية العام قام بتغيير توجّه قناة اليوتيوب خاصته نحو ما يجعله أكثر راحة واستمتاعاً، وبدلاً من محاولة وعظ المتابعين بأهمية التغيير، وتقديم الدروس الحياتية لهم كشخص بلغ الثلاثين من العمر واعتقد أنه رآى كل شيء في الحياة، قام فيلكس بمشاركة التغييرات التي تحصل معه دون أدنى محاولة خطابية لمتابعي القناة.

قد يبدو الأمر سخيفاً قليلاً عند وضعه بهذه الطريقة، ولكن منذ بداية العام وفيلكس يقدم فيديوهات تتعلق بقراءته للكتب، فيديوهات تتعلق بسفره لدول مختلفة وتعلم ثقافاتها، وفيديوهات تتعلق بالأوضاع الاجتماعية على الأقل في بيئة يوتيوب التي يعمل فيها. شارك فيلكس الكثير من الفيديوهات حول ثقافة الانترنت والشخصيات الغبية التي حاولت السيطرة على منصات التواصل الاجتماعي وقام بنقدها بطريقة كوميدية لطيفة.

كل هذه الفيديوهات لم تتضمن ربما عبارة واحدة يعظ فيها فيلكس متابعينه بالتوقف عن فعل شيء ما، أو البدء بفعل شيء ما. لم يقدم فيلكس فيديو عن أهمية القراءة واهمية الأدب في الحياة، وإنما بنى سلسلة كاملة من الفيديوهات يتحدث فيها عن الكتب التي يقرؤها، وفائدتها وتأثيرها على حياته، وشارك فيها مجموعة من الكتب المميزة وقدم وصفاً ونقداً شبه احترافيّ لها إن لم يكن احترافياً.

الأفعال التي يقوم بها فيلكس من المحتمل أنها عشوائية ولا يدرك تأثيرها الكبير على متابعيه، ولكنها مقدمة بأسلوب مقنع على الأخص لقاعدة المتابعين الشابة للقناة. بدلاً من الفيديوهات السخيفة المنتشرة في القنوات الكبرى ومحاولات تسفيه كل شيء… يمكن القول أن فيلكس قام بتثقيل كفّة الميزان باتجاه التأثير الايجابيّ على الأطفال المتابعين لمنصة يوتيوب، مقابلاً للتثقيل السلبي الذي قام به الأخوان بول (No pun intended) في الفترة الماضية.

معرفة الخطأ والصواب:

عودة للحادثة الصغيرة المتعلقة بقتل جميع اليهود والتي سببت التغيير الهائل الحاصل في قناة فيلكس، كان فيلكس مدركاً تماماً انه محارب من شبكات اعلامية ضخمة وأن هذه الشبكات تنتظر كلمة خاطئة منه لتصب الزيت على النار، ولكنه كان مدركاً أيضاً ان ما قام به لم يكن خطأ على الإطلاق. برأيي ثباته على موقفه ودفاعه عن نفسه أمام منصة إعلام تقليدية ضخمة كان ملحمياً واستطاع أن ينجو من المعركة بالقليل من الخسائر، وربما الكثير من النفع.

لحق هذه الحادثة بعد بضعة أشهر موضوع آخر مثير للجدل بحث فيلكس عندما نعت أحد اللاعبين في لعبة جماعية وعلى الهواء مباشرة بأنه زنجي لعين what a fucking nigger وبهذا دخل فيلكس بدوامة أخرى من الجدل والهجوم من الإعلام التقليدي. حسناً في هذه المرة كان مخطئاً فعلاً… وقال كلمة مهينة بحق فئة من البشر بطريقة جدّية بعيداً عن الكوميديا المعتادة في قناته.

المميز في الحادثة الثانية أن فيلكس لم يكن هجومياً كما كان في الحادثة الأولى، إذ كان مدركاً أنه على خطأ… اصدر اعتذاراً وكرر اعترافه بهذا الخطأ في كثير من المواقف. وهذه من أفضل الصفات الموجودة في فيلكس، معرفة الصواب والخطأ ومعرفة متى يجب عليه الدفاع عن نفسه ومتى يجب أن يعتذر. وفي الحالتين كان هو الفائز في النهاية، لانه تصرف بالشكل الصحيح في الوقت الصحيح.

لماذا نحتاج لفيلكس عربي الآن؟

قد تناقش بأننا نمتلك سلفاً شخصيات مؤثرة في العالم العربي ولديها قواعد مشاهدين ضخمة تقف في وجه اليوتيوبر التافهين مثل دايلر وسعودي ريبورترز وغيرهم من أصحاب المحتوى الذي لا قيمة له على المنصة، وربما تكون محقاً بذكرك العديد من الشخصيات التي قد تتضمن الشقيري، واحمد خيري العمري، وشخصيات دينية واجتماعية أخرى قدمت محتوى ترفيهي تعليمي تثقيفي على مدى السنوات السابقة وكانت تمتلك قاعدة مشاهدين لا بأس بها.

ولكن هذا ليس ما نحتاجه تحديداً. الفئة التي تشاهد هذه الشخصيات هي الفئة النيتش التي تستهدفها هذه الشخصيات بمحتواها، لنقل الشقيري مثلاً، يستهدف بمحتواه ربات المنازل والشباب المتحمس الذي يرغب بتحسين نفسه ويريد معرفة الطريق، أو بالأحرى الطريق الذي سلكه بقية العالم. الشقيري بنى قاعدة مشاهديه حول محتواه، وكبرت هذه القاعدة كلما كان محتواه generic اكثر وشاملاً لمجالات أكبر.

الوعظة الدينيون أيضاً قدموا محتوى محافظاً، يستهدف الفئات المحافظة في المجتمع، بينما قام المفكرون والفلاسفة الملحدون باتخاذ الفئات الملحدة من الشباب او الفئات التي تشك في دينها لتوجيه الخطاب. وكل هذه الخطابات لم تكن تحديداً تظهر أفعالاً، إلا اللهم بعض الشخصيات التي كانت تقوم بشيء ما، مثلاً الشقيري، الذي لم يكن محتواه ذا توجه ديني مباشر -مبطّن أجل ولكنه ليس مباشراً- وبقية الشخصيات المشهورة الأخرى اعتمدت الخطاب الوعظيّ البعيد عن الأفعال، وتحولت لمنصات إذاعة بدلاً من الشخصيات الحقيقية التي يمكن التواصل معها والشعور بها.

فيلكس لم يبن قاعدة متابعيه حول الكتب، أو تحسين الذات، أو عيش الحياة، ولم يقدم يوما خطاباً وعظياً مباشراً، ولم ينصح بفعل شيء أو التوقف عن شيء، لم ينشر أجندته الدينية من خلال قناته منذ إنشائها. ببساطة، فيلكس بدأ كشخص يصور نفسه وهو يلعب ألعاب الفيديو ليجد نفسه في أحد الأيام مشهوراً جداً، وبدلاً من أن يتحول لشخصية مسرطنة قرر أن يفعل الصواب. لا أن يقوله، لا أن ينصح به، فقط يفعله.

فيلكس كان يستهدف فئة معينة من الأشخاص، فئة ضخمة دون شك -محبي ألعاب الفيديو في العالم أجمع بلغة يفهمها نصف العالم تقريباً- وبعد أن شعر أن بيده قوة لا يجب عليه أن يسيء استخدامها قرر أن يفعل الصواب. وأثر بالأشخاص نفسهم الذين يتابعونه لألعاب الفيديو، الأطفال والمراهقين والشباب الذين تابعوه لأجل الكوميديا… وهي فئة أشمل بكثير من ربات المنازل، او متبعي الديانة الفلانية.

نحن بحاجة لشخص يمتلك سلفاً قاعدة مشاهدين واسعة، ويمتلك سلفاً قوة التأثير بهذه المجموعة الضخمة من الأفراد، ودون أن يعلن عن نفسه كمصلح اجتماعي أو كيسوع مخلّص جاء لتنظيف الأرض من رجس البشر، دون أن يفعل هذا، يبدأ العمل على تغيير المجتمع حوله، نكتة سخيفة بعد الأخرى.

9 تعليقات

  1. اظنني ايضاً اعيش على الفضاء
    الشعر الاخضر ما كتير مشجع في البداية لكن الكلام اللي قلته عنه جميل مع اني ما بحب اصحاب قنوات الالعاب بشكل عام

  2. وأنا أقرأ التدوينة أحسست وكأنني أعيش في الفضاء الخارجي.
    كل هذا يعحدث وأنا أول مرة أسمع بهذه الشخصية.
    حقا اليوم بالنسبة لي ليس هباء، لأنني تعلمت شيئا جديدا

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *