في السنوات الأخيرة، تسارع شركات الاتصالات وشركات الهاتف المحمول لدفع الأجهزة وخطوط الهاتف المحمول العاملة بتقنيات شبكات الجيل الخامس ونرى كل عام في مؤتمرات الهواتف المحمولة تقنيات “أكثر سرعة” تمكنك من نقل مئات الميغابايتات من البيانات في لحظة واحدة من هاتف لآخر.
أثار هذا استغرابي دائماً فلم أجد نفسي قط محتاجاً لاتصال انترنت أسرع على هاتفي المحمول، أو حتى على محاكي الآندرويد المثبت على حاسوبي والسبب بديهي؛ لا يوجد الكثير من الاستخدامات للسرعات العالية عند الحديث عن استخدام الهاتف المحمول التقليدي – إلا لو كان عملك يتضمن تحميل ورفع الكثير من الملفات باستخدام هاتفك بشكل مستمر، وهو أمر نادر حتى ضمن مجالات العمل على الانترنت.
لوضع الأمر في سياق صحيح، أغلب استخدامي للهاتف المحمول على الانترنت يعتمد على اتصال الانترنت المنزلي من خلال شبكة الوايفاي التي لا تتجاوز سرعتها الخمسين ميغابت في الثانية، وخارج المنزل على شبكة الهاتف التي لا تتجاوز سرعتها أيضاً 25 ميغابت في الثانية (تقنية 4.5G على ذمة شركة الاتصالات المحلية). أما بخصوص الأشياء التي أستخدمها على الانترنت فهي عادة متوزعة بين تحميل التطبيقات وألعاب الأونلاين الجماعية ومشاهدة الفيديوهات والاستماع للأغاني من خدمات البث الموسيقية.
حتى عند مشاهدة الفيديوهات بدقة 1080p لا أجد مشكلة على الإطلاق في العرض في السرعات السابقة، وهذا الاستخدام هو الأكثر احتياجاً لسرعة الانترنت بين استخداماتي.
بأي حال، لا أعتبر نفسي مستخدماً كثيفاً للهاتف المحمول عند الحديث عن إنجاز المهام اليومية، لا أمتلك حتى تطبيقات للسوشال ميديا على الهاتف مثل انستغرام أو فيسبوك ولا أحتاجها سوى في حالات نادرة أثبتها فيها وأمسحها بعد الانتهاء منها، لذا قررت الغوص أكثر في الموضوع كي أحاول العثور على تبرير منطقي لما تقوم الشركات اليوم بدفع الجيل الخامس من الشبكات اللاسلكية بهذه القوة.
بداية، ما الفرق بين شبكات الجيل الخامس والرابع والثالث؟
ما يجب فهمه في البداية أن مصطلح “الجيل” في حالة شبكات الهاتف المحمول لا يعني نوعاً واحداً من التقنيات، وإنما مجموعة من التقنيات المختلفة التي تقدم لمستخدميها أنواعاً متعددة من الخدمات بأساليب مختلفة، ما يجمع بينها فقط هو أن العتاد اللازم لتشغيلها واحد – أو يتضمن فروقات بسيطة لا تحتاج لتغيير البنية التحتية بالكامل.
الجيل الأول من شبكات الهاتف المحمول كان قادراً على إجراء الاتصالات الصوتية فقط، هذه الإتصالات كانت عبارة عن إشارات تناظرية مشابهة لتلك الإشارات المستخدمة في الهواتف الأرضية، ما يعنيه هذا للمستخدم أن المكالمات التي تجري بين طرفين في شبكات الجيل الأول لم تكن “مشفرة” ويمكن الاستماع لها بسهولة من طرف ثالث باستخدام الأدوات المناسبة، تماماً كما في الهواتف الأرضية.
ما يعنيه هذا لشركات الهواتف المحمولة وشركات الاتصالات أن الهواتف كانت تحول الصوت إلى ترددات تناظرية يتم إرسالها إلى برج التواصل ومن ثم يتم تحويلها إلى إشارات رقمية ومن ثم تناظرية مرة أخرى في الطرف الآخر من المكالمة ليستطيع الهاتف استقبالها وتحويلها بدوره إلى إشارات صوتية.
الجيل الثاني من الشبكات أزال جزء الصوت التناظري من المعادلة تماماً، حيث أصبحت الهواتف قادرة على إرسال إشارة رقمية مشفرة إلى برج الشبكة – الذي أرسلها بطرفه إلى مستلم المكالمة. استطاعت شبكات الجيل الثاني أيضاً حمل أنواع مختلفة من البيانات مثل الرسائل النصية ورسائل الوسائط المرئية وامتلكت ميزات نقل بيانات بسيطة عبر تقنيتي GPRS (بسرعة 40 كيلوبت في الثانية) و EDGE (بسرعة 384 كيلوبت في الثانية) – استخدمت في العادة لارسال واستلام البريد الإلكتروني وتصفح الانترنت بشكل محدود.
الجيل الثالث قدم المزيد من الدعم للانترنت على الهواتف المحمولة، وعلى الرغم من اختلاف التقنيات التي صدرت تحت هذا الجيل واختلاف قدراتها بشكل جذري وإبقاء الكثير من ميزاتها مبهمة من طرف شركات الهواتف المحمولة أحياناً كسرعات نقل البيانات، إلا أن أفضل شبكات الجيل الثالث كانت قادرة على تقديم إنترنت بسرعة 21.6 ميغابت في الثانية تقريباً.
شبكات الجيل الثالث قدمت أداءً متفاوتاً جداً بحسب التقنية والعتاد وحالة المستخدم سواء كان ماشياً أو ثابتاً، وعلى الرغم من أنها تطورت بشكل هائل في سنواتها الأخيرة إلا أنها سرعان ما استُبدِلت بشبكات الجيل الرابع، وهنا تبدأ الحكاية.
شبكات الجيل الرابع قدمت سرعات انترنت تصل حتى الغيغابت في الثانية. وهنا بدأت تختلف الأمور قليلاً – لم يعد هناك انتقال هائل يمكن لشبكات الهاتف المحمول تقديمه للمستخدم العادي سوى في رفع سرعة الانترنت المتوفرة على الهاتف أو تخفيض مشاكل الاتصال وتحسين سرعة الاستجابة بين المرسل والمستقبل. كل هذه الأشياء مهمة جداً ولكنها ليست “واضحة” لهذه الدرجة في نظر المستخدم.
وهذا ما وضع حملاً على عاتق شركات الهواتف المحمولة لترويج تقنيات الجيل الرابع – كون حمل رفع الجودة أو السرعة لم يعد على كاهل شركات الاتصالات؛ فالسرعة اللازمة موجودة، ولكن ما نحتاجه الآن هو التوظيف المناسب لها.
حاولت شركات الهواتف المحمولة تقديم أجهزة بشاشات 4K، ومع تطور أنظمة التشغيل والتطبيقات وزيادة حاجات المستخدم للتخزين على الهاتف المحمول واستمرار الشركات بإصدار الهواتف ذات مساحات التخزين القليلة لدفع المستخدمين نحو خدمات التخزين السحابة، كان من المتوقع أن الميزات التي تقدمها شبكات الجيل الرابع ستصبح مفيدة للمرة الأولى بعد سنوات طويلة من كونها “Overkill” أو مبالغ فيها لحاجة المستخدم العاديّ.
ولكن قبل أن يأتي الجيل الجديد من الهواتف التي تستغل كل قدرات الجيل الرابع من الشبكات، ظهرت شبكات الجيل الخامس التي وعدت باتصال انترنت يصل حتى 10 غيغابت في الثانية، إضافة للكثير من الكلام عن تخفيض زمن الاستجابة بين المرسل والمستقبل ما يجعلها خياراً أفضل حتى من الكابلات لنقل البيانات.
لم تنتشر شبكات/هواتف الجيل الخامس في كافة دول العالم بعد، ولكن السباق لدعمها يصبح يوماً بعد يوم أكثر احتداماً مع تدخل الكثير من العناصر السياسية في الموضوع – مع تغريدات من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي تحض على العمل على شبكات الجيل السادس قبل إطلاق شبكات الجيل الخامس في بلاده حتى.
ما المشكلة في الانتقال إلى استخدام شبكات الجيل الخامس اليوم؟
في الحقيقة هناك العديد من المشاكل، ولكن لنبدأ بالأكثر وضوحاً وتأثيراً على المستخدم: التكلفة.
ما يجب عليك امتلاكه لاستخدام شبكات الجيل الخامس
عليك أولاً امتلاك هاتف يدعم هذه التقنية، وهذا ما لا يتوافر بالأسواق بكثافة بعد، الأجهزة القليلة التي تدعم هذه التقنية أسعارها لا تزال مرتفعة ومن يمتلكها الآن يعتبر من فئة المبتكرين – بعد امتلاك الهاتف المحمول سيكون على شركات الاتصالات أو أحد شركات الاتصالات الموجودة في مدينتك دعم هذه التقنية، وهو ما يكون عادة بسعر أعلى من اتصالات الجيل الرابع أو الثالث.
امتلاك هاتف يدعم هذه التقنية في هذه المرحلة لا يعتبر فكرة جيدة على الإطلاق – أولاً بسبب قلة عدد شركات الاتصالات التي تستخدم هذه التقنية حول العالم وثانياً بسبب كونها خطة طويلة الأمد للعديد من الشركات، وريثما يتم تطويرها وتطبيقها ستصبح الهواتف الصادرة اليوم والتي تدعم هذه التقنية خارج الخدمة.
أسعار الهواتف المحمولة الداعمة لتقنيات الجيل الخامس وأسعار الاشتراكات الشهرية أو حتى الاشتراكات التي تعتمد على الشحن المسبق لشرائح الاتصال، ستضع حملاً مالياً كبير على المستخدم العادي. السؤال هنا، هل تستحق هذه الخدمة دفع هذه المبالغ الطائلة؟
في حال توافر هذه التقنية، هل ستكون مفيدة للمستخدم العاديّ؟
الإجابة بسيطة: لا. وهناك عدة أسباب أو حواجز تمنع هذه الإجابة من التحول إلى “نعم” في السنوات القليلة القادمة على الأقل.
السبب الأول أن أغلب شركات الاتصالات حول العالم لا تزال تقدم خدمات الجيل الرابع بطريقة محدودة، لا تزال العديد من شبكات الجيل الرابع غير قادرة على تقديم السرعة الموعودة للمستخدم -غيغابت في الثانية- وهذا ما يجعل الثقة بشبكات الجيل الخامس أقل، فما الذي قد يدفع هذه الشركات للانتقال إلى تقنية جديدة قبل استغلال التقنية الموجودة لأقصى حد سوى الهدف المادي البحت دون النظر لحاجات المستخدم.
السبب الثاني هو عدم احتياج المستخدم لسرعة تزيد عن 50 ميغابت في الثانية على الهاتف المحمول – وهي سرعة قابلة للتحقيق على شبكات الجيل الرابع وحتى بعض شبكات الجيل الثالث. بفرض احتياج المستخدم لمشاهدة فيديوهات بدقة 4K على الهاتف – وهي دقة لا يمكن تشغيلها سوى على عدد محدود جداً من الهواتف المحمولة اليوم – يمكن تشغيل هذه الدقة بسهولة على اتصال بسرعة 50 ميغابت في الثانية.
السبب الثالث هو أن التحسينات التقنية التي تميز شبكات الجيل الخامس عن الجيل الرابع كتخفيض تأخير انتقال البيانات وزيادة عدد الأجهزة التي يمكن توصيلها بالبرج الهوائي الواحد، هي تحسينات لا تؤثر على المستخدم العادي بطريقة مباشرة، ولا يمكن لهذه الشركات أن تسوق منتجاتها على أساسها ولا يهتم المستخدمون عادة لها.
السبب الرابع وهو الأهم، أن الحواسيب والهواتف الخاصة بالمستخدمين العاديين لا تستطيع معالجة وتخزين البيانات بالسرعة التي يمكن لشبكات الجيل الخامس نقلها – فشبكات الجيل الخامس تعد بسرعات نقل تصل حتى العشرين غيغابت في الثانية، وهو ما يعادل 2.5 غيغابايت في الثانية الواحدة، ذواكر الهواتف المحمولة الداخلية والخارجية لا تزال تنقل البيانات ضمن حدود مئات الميغابايتات في الثانية في أحسن الأحوال، بينما يمكن لبعض أقراص الSSD على الحواسيب الوصول لسرعات حتى 5000 ميغابايت في الثانية إلا أن الأقراص الصلبة HDD وهي الأكثر انتشاراً لا تزال سرعاتها محصورة ضمن مئات الميغابايتات في أحسن الأحوال.
عنق الزجاجة أثناء نقل البيانات على شبكات الجيل الخامس لن يكون من طرف الشبكة الناقلة ولا من طرف المستقبل الموجود في الهاتف المحمول وإنما من وسيط التخزين الذي تكتب عليه البيانات.
باختصار، التكلفة العالية، نقص الدعم، عدم الحاجة للسرعات العالية، وعدم امتلاك العتاد المناسب لدى الكثير من المستخدمين – كل هذه الأسباب تجعل الانتقال إلى شبكات الجيل الخامس اليوم فكرة غير موفقة على الإطلاق بالنسبة للمستخدم العادي.
ربما يتغير الأمر في السنوات التالية ولكن قبل الوصول للعتاد المناسب والحصول على فوائد فعلية من اتصال الانترنت السريع الذي تقدمه هذه الشبكات والذي لا يمكن للأجيال السابقة تقديمه، لا يمكن القول أن هذه الشبكات تحضر ما يكفي من الميزات الجاذبة للمستخدم العادي.
ماذا عن الشركات ومراكز البيانات؟ هل سنحصل أخيراً على بديل للكابلات لنقل البيانات؟
يتم تسويق شبكات الجيل الخامس اليوم على محورين رئيسيين، الأول هو محور المستخدمين العاديين الذي تعد شركات الاتصالات فيه بشكل رئيسي الحصول على سرعات أكبر على الرغم من عدم حاجة المستخدم لهذه السرعات – والمحور الثاني هو محور الشركات الضخمة التي تحتاج فعلاً لنقل البيانات بسرعات عالية بين موظفيها ومراكز بياناتها.
ولكن مجدداً، هناك عائق ضخم جداً يمنع تقنيات الجيل الخامس من أن تصبح بديلاً عن الكابلات: التكلفة.
الطريقة التي تنقل فيها أغلب الشركات بياناتها بين مراكز البيانات أو السيرفرات أو حتى بين أجهزة الموظفين هي الشبكات السلكية المحلية، هذه الطريقة هي الأرخص والأسرع والأكثر فعالية اليوم؛ يمكن للشركة توظيف أحد الفنييّن المتخصصين بالشبكات المحلية والسماح له بالاهتمام بالبنية التحتية للشبكة، ويمكن تبديل أجزاء الشبكة المعطلة بأسعار منخفضة جداً. الشبكة بذاتها تكلفتها تعتبر جزءً صغيراً جداً من ميزانية الشركة.
ما تعرضه بعض شركات الاتصالات اليوم هو استخدام شبكات الجيل الخامس كبديل عن الشبكات السلكية في الشركات الكبرى، المنطق من هذا العرض هو التخلص من الكابلات بالكامل – بنفس الوقت الحفاظ على سرعة النقل والأداء ذاته. في حالة الشركات الضخمة أو مجمعات الشركات يمكن أن يوفر هذا على الشركة الكثير من العناء في توصيل الأجهزة الجديدة للشبكة أو التوسع أو الحركة. ولكن…
الانتقال لشبكة الجيل الخامس كبديل عن الكابلات سيعني للشركة الانتقال من دولار واحد للمليون دولار، دون أي فائدة تذكر عند الحديث عن الأداء. الكابلات والبنى التحتية التي تربط بين الأجهزة في الشركات منخفضة الثمن جداً مقارنة بأبراج الجيل الخامس.
أغلب الأجهزة الموجودة في الأسواق اليوم كالهواتف المحمولة والحواسيب الشخصية تمتلك العتاد اللازم للتوصل مع الشبكات المحلية دون الحاجة لدفع مبالغ إضافية، بينما شبكات الجيل الخامس تحتاج عتاداً مخصصاً للاستخدام – مما يعني أن الشركة ستحتاج لدفع المزيد من المال حتى يستطيع موظفوها استخدام شبكة الجيل الخامس مع الأجهزة الموجودة سلفاً في الشركة.
هذا بالإضافة لكون الشركة ستصبح خاضعة لشروط شركة الاتصالات الجائرة، كون تقنيات الجيل الخامس لا تمتلك الكثير من الخبراء القادرين على إدارة شبكاتها مما يعني أن أي عطل سيطرأ على الشبكة أو أي تطوير مستقبلي سيمر غالباً عبر شركة الاتصالات الأم.
بالمختصر، الشركات التي تفضل توفير المال -وهي كل الشركات في العالم- لن ترغب باستخدام شبكات الجيل الخامس في أي وقت قريب – طالما بإمكان الشبكات السلكية توفير أداء أفضل وبأسعار أرخص.
الخدعة الأخيرة: شركات الاتصالات تكذب دائماً
وعد الانترنت غير المحدود بسرعات فائقة موجود من ظهور تقنيات الجيل الثالث، وحتى اليوم لم يتم تطبيقه بطريقة جدية في أغلب دول العالم. الانترنت المعتمد على شبكات الهواتف المحمولة هو انترنت محدود وذو تكلفة عالية – هذا هو الشائع والمتعارف عليه دولياً.
في دولة مثل تركيا أفضل العروض تسمح لك باستخدام 16 غيغابايت على شبكة الهاتف المحمول من الجيل الرابع مقابل 10$. احتياج المستخدم العادي من البيانات شهرياً يصل إلى 200 غيغابايت، ما يعني أنك ستحتاج لدفع 125$ شهرياً لتحصل على احتياجاتك، ولن تكون السرعة مماثلة لسرعة الاتصال التقليدية عبر ADSL أو VDSL وبالطبع لن يكون مقارباً حتى لسرعة اتصال الكابلات الضوئية.
حتى في الدول الأكثر تقدماً مثل السويد، وعلى الرغم من وجود باقات تقدم 200 غيغابايت للمستخدم شهرياً، لا تزال أسعار هذه الباقات أعلى بكثير من أسعار الانترنت المنزلي – وسرعاتها لا تزال محدودة جداً.
وعد السرعات العالية هو وعد كاذب تماماً ويخفي الكثير من الحقائق. السرعات التي تقدمها شبكات الجيل الرابع اليوم في كثير من الدول والتي تسوق شركات الاتصالات هذه التقنيات على أساسها هي سرعات يمكن لشبكات الجيل الثالث الوصول إليها – شبكات الجيل الرابع قادرة على الوصول إلى سرعات أعلى بكثير ولكن لا تقوم شركات الاتصالات باستخدام هذه التقنيات بالطريقة الأفضل لتكون قادرة على تسويق السرعات الأعلى بأسعار أعلى على الرغم من أن العتاد ذاته.
تسوق أغلب الشركات اليوم لشبكات الجيل الخامس على أنها أسرع بعشر مرات من شبكات الجيل الرابع دون ذكر مباشر للسرعات التي يمكن لهذه الشبكات أن تصل له. هل تقصد هذه الشركات أن شبكات الجيل الخامس ستقدم عشر أضعاف السرعة الحقيقية لشبكات الجيل الرابع أم أنها ستقوم فقط بمضاعفة السرعة المحدودة لشبكات الجيل الرابع التي تقدمها للمستخدمين – والتي لا تتجاوز مئات الميغابايتات في كثير من الأحيان.
سبب كذب هذه الشركات
لا يمكن الجزم بسبب كذب الشركات وخداعها للمستخدمين بهذه الطريقة، ولكن لدي بعض التوقعات الشخصية التي يمكن أن تكون صائبة أو خاطئة.
الدافع الأول والأهم للكذب برأيي هو المكسب المادي: الطريقة التي يمكن لشركات الاتصالات رفع أسعار خدمتها وتقديم التقنيات الجديدة بأسعار مرتفعة تعتمد على قدرتها على إقناع المستخدمين بأنهم يحصلون على شيء أفضل؛ ما يعني أن تقديم السرعة الحقيقية للجيل الرابع والتي تصل للغيغابت في الثانية سيجعل المجال للتطوير أمام هذه الشركات محدوداً، بالتالي مجال زيادة الأرباح أقل بكثير.
دافع آخر ربما يكون مرتبطاً بشكل او بآخر بالدافع السابق هو أن البنية التحتية لشركات الاتصالات المحلية ربما لا تدعم السرعات العالية لنقل البيانات من الأبراج إلى شبكة الانترنت العالمية أو من شبكة الانترنت العالمية لأبراج الهواتف المحمولة. فالأبراج هي مجرد وسيط بين الهواتف المحمولة والكابلات التي تنقل البيانات إلى مراكز الاتصالات داخل الدولة ومن ثم نحو شبكة الانترنت العالمية؛ وبنظرة بسيطة على الطريق الذي يجب على البيانات أن تسلكه يمكن أن نتوقع نقطة الضعف.
الهاتف قادر على استخدام شبكة الهاتف المحمول بالسرعة القصوى، البرج قادر على تقديمها بالسرعة القصوى، مراكز الاتصالات قادرة على ادارتها بالسرعة القصوى، وكابلات الانترنت العالمية قادرة بالطبع على التعامل معها بالسرعة القصوى. ما يتركنا مع الكابلات التي تصل بين أبراج الاتصالات ومراكز الاتصالات التي قد تكون عاجزة عن التعامل مع كم البيانات الضخم وعدد المستخدمين الهائل للشبكة في الوقت نفسه، وهو الاحتمال الأكثر ترجيحاً برأيي. يمكن أيضاً أن تكون نقطة الضعف في جزء آخر من السلسلة بالتأكيد ولكن المثال الموجود هو توقعي الشخصي فقط.
زبدة الكلام:
المستخدم العادي لا يحتاج سرعات تزيد عن مئات الميغابايتات على الهاتف المحمول ولن يحتاج لهذه السرعات طالما لا يمكن للهاتف المحمول استخدامها. وحتى لو احتاج المستخدم سرعات تصل للغيغابت في الثانية لن نحتاج لشبكات الجيل الخامس كي تقدم لنا هذه السرعات، إذ يمكن لشبكات الجيل الرابع تقديمها بسهولة. أسعار العتاد اللازم لشبكات الجيل الخامس وأسعار الخدمات وعدم وجود فائدة فعلية لها في الوقت الحالي يجعل الانتقال لها فكرة سيئة جداً.
بالمجمل: شبكات الجيل الخامس خدعة ضخمة تحاول شركات الاتصالات الترويج لها دون فائدة فعلية، ولا حاجة لأن تشغل نفسك بالتفكير بها في الوقت الحاليّ.