خارج السياق #1: يوتوبيا الفئران، أفضل إصدار فيسبوك، شيرلوك والدوكتور هاوس

هذا هو الجزء الأول من سلسلة تدوينات جديدة، سأضع فيها كافة المواضيع التي لم تكن مهمّة بما فيه الكفاية لتحصل على تدوينة خاصّة بها، ولأخرج هذه المواضيع من رأسي بشكل نهائيّ كي أنتقل لغيرها، تسمية السلسلة “خارج السياق” تشير إلى ما يمكن توقّعه من محتواها، فهو عبارة عن مواضيع متفرقة ولا يربط بينها شيئاً تقريباً سوى أنها خطرت لي في نفس الفترة الزمنية.

يوتوبيا الفئران وشينسيكاي يوري

بين عامي 1958 و1962 أجرى عالم النفس الأمريكي جون كالهون (مقالة وكبيديا الأولى من ترجمتي) مجموعة تجارب على الجرذان، سميّت هذه التجارب بيوتوبيا الجرذان أو الحوض السلوكي، في هذه التجربة، حصلت الجرذان على كل ما تحتاجه من الطعام والشراب والحماية ضد المفترسين الطبيعيين، مما سمح لهم بالتكاثر دون حدود افتراضياً. الهدف من هذه التجربة كان قياس تأثير الاكتظاظ السكانيّ وحده دون أي مؤثر آخر على تصرفات أفراد المجتمع، النتيجة كانت ظهور “حوض أخلاقيّ” إن صحت الترجمة، انهارت فيه أغلب البنى الاجتماعية الموجودة بين الفئران، وانتشر في مجتمعها العنف والانحراف الجنسي والانعزال والفشل الأبويّ.

ربما لم يتفق العلماء على تفسير نتائج هذه التجربة، بينما حاول كالهون نفسه اعتبارها نظرة مستقبلية على ما يمكن أن يكون عليه المستقبل البشري بسبب الاكتظاظ السكاني، اعتبرها بعض العلماء الآخرين تجربة تدل على مشكلة الطبقية في المجتمع، بسبب الظروف التي اعتمدها كالهون أساساً للتجربة.

هناك فيديو يشرح التجربة بطريقة أفضل مما يمكنني، ويحاول التطرق لكل المعلومات الموجودة حول الفئران وكالهون والدلالات التي استسقيت من هذه التجربة، أنصح جداً بمشاهدته قبل المتابعة:

لم أرغب بكتابة هذا المقال في كاواي أنمي لسببين، الأول أنه لن يكون تماماً عن الانمي، بل عن التجربة ومحاولة عكس تفاصيلها على احداث قصة الانمي، والثاني ان الانمي كان موضوعاً لمقالين جيدين جداً، الأول حول بناء العالم ككل، والثاني يمكن اعتباره كدراسة كاملة للشخصيات الموجودة فيه. وإرفاق هذا المقال لن يضيف شيئاً ضخماً لمحتوى الموقع حول الأنمي هذا.

لم أكمل هذا المقال وبقي في المسودات وقتاً طويلاً إلى أن حوّلته إلى فقرة من “خارج السياق”.

في شينسيكاي يوري نرى القصة من أعين مجموعة من الأطفال، بالتحديد طفلة واحدة تعيش في مجتمع يمتلك أفراده قدرات خارقة، في هذا المجتمع يتوفر للأفراد كل شيء، ويطلب منهم فقط التحكم بهذه القدرات، تعلم استخدامها دون أن تسيطر عليهم، ودون أن يستغلّوها بطريقة غير اخلاقية. هناك مجموعة قواعد ضخمة تفرض على هؤلاء الأطفال لمنعهم من اساءه استعمال هذه القوى، ومع التقدم بالقصة يصبح سبب هذا مفهوماً اكثر؛ قواهم هذه يمكن أن تتسرب وتغير العالم من حولهم.

في وقت لاحق من القصة، نرى تأثير العزلة الاجتماعية على بعض أفراد مجموعة الأطفال هذه، ونرى العلاقات الجنسية بينهم التي يسمح لهم البالغون الدخول فيها لتفريغ قلقهم بدلاً من التوجه للكانتي او القوى الخارقة التي يمتلكونها، ونرى أيضاً مستعمرات الفئران، التي تؤكد بشكل أو بآخر ارتباط هذا العالم -الذي يحاول عرض اليوتوبيا الديستوبية- بتجربة يوتوبيا الفئران المذكورة في الأعلى.

السخرية هنا، أن الفئران في هذه القصة لا تعيش حياة “يوتوبيا الفئران” وإنما مستخدمو الكانتي هم من يعيشونها، الطعام والشراب موفّر للأطفال بحريّة، الكبار قادرون على حماية المدينة من كل الأخطار الخارجية، ويستطيع الناس التكاثر بحريّة نسبية، طالما كان هذا ضمن قواعد المجتمع. وبينما يعيش الأطفال هنا، الخاضعون لهذه اليوتوبيا، في حوض سلوكي – يعيش الفئران في الخارج في ديستوبيا، يقرر فيها كائنات مثلهم ما عليهم القيام به، متى عليهم أن يدخلوا في حرب، متى يمكنهم العيش أو الموت، وماذا عليهم الفعل في حياتهم – وهذه الديستوبيا تحديداً هي ما يدفعهم للتغير، وتزرع في أنفسهم الفكر الثوري والتحرري.

بأي حال، أنصح جداً بمتابعة هذا الأنمي فهو من 24 حلقة وقصّته منتهية، فلن يحتاج وقتاً طويلاً للإنهاء.

أفضل إصدار فيسبوك

لا يحق لك أن تشتكي من أداء هاتفك السيء مهما كان نوعه أو طرازه أو نظام تشغيله من بطئ الأداء إن كنت تستخدم تطبيق فيسبوك الرسميّ لتصفّح المنصة. هذا التطبيق هو أسوأ ما رأت عيني في الأداء والتنظيم وتجربة الاستخدام. كلّ شيء مرتبط بهذا التطبيق سيء؛ يحجز مساحة كبيرة من الذاكرة، يعمل في الخلفية دائماً تقريباً، يلتهم الذاكرة العشوائية ووقت المعالج عند تشغيله، لا يمكّنك من تصفح المنشورات براحة ويحصرك في مكان واحد دائماً، وفوق هذا وذاك يأتي مثبّتاً على الهاتف في كثير من الأحيان ولا يمكنك إزالته.

أزل هذا التطبيق من هاتفك في أقرب فرصة. وانتقل لأحد الخيارين: متصفح الانترنت أو تطبيق facebook lite.

نحن هنا في أرض استخدام المتصفح للوصول إلى فيسبوك نمتلك الوضع الليلي منذ مئات السنين، ويمكننا حظر الإعلانات بأكملها وحتى اختيار تصفّح الموقع دون أكوام الجافاسكريبت القاتلة التي يستخدمها فيسبوك.

شيرلوك والدوكتور هاوس

كتبت سابقاً عن رأيي بالاقتباس التلفزيوني لشيرلوك هولمز من بطولة بينيديكت كمبرباتش، وحاولت المرور على الأشياء التي جعلته اقتباساً مسيئاً لروح السلسلة الأصلية، باختصار، فشل العاملون على ذاك المسلسل الإبقاء على الشخصيات الرئيسية والعلاقات بينها، وفي سلسلة قصصية عنوانها هو اسم الشخصية، يمكنك أن تتوقع المشكلة الكبيرة التي واجهت العمل. شيرلوك، المسلسل، حوّل شيرلوك، الشخصية، إلى ديوس إكس ماكينا، ورفعه عن البشرية بطريقة جعلته أقرب للأبطال الخارقين، بدلاً من كونه محققاً ذكياً يستطيع فقط أن يطوّع قدراته، البشرية جداً، بطريقة أفضل من الجميع.

بحسب تصريح كاتب المسلسل، شخصية هاوس مستلهمة جزئياً من شيرلوك هولمز، هناك الكثير من الروابط بين الشخصيتين كالاسم والعنوان وادمان المخدرات والذكاء الفائق، كلاهما أيضاً يحبّ حل القضايا المعقدة التي عجز عنها نظرائهما في نفس المجالات، شيرلوك وجرائمه، هاوس وأمراضه. هناك العشرات من الروابط الواضحة والخفية بين الشخصيتين، وأعتقد أن صفحة الويكيا مكان أفضل لمعرفتها من هذه التدوينة.

الاقتباس والاستلهام أمران مختلفان تماماً، الاقتباس يعتمد بشكل مباشر على العمل الأصلي في أحداث العمل الجديد، على سبيل المثال، اقتباس قصة شيرلوك هولمز لمسلسل شيرلوك أو فيلم شيرلوك هولمز هو اقتباس مباشر، الأحداث نفسها والحبكة نفسها الموجودة في العمل الأصليّ، ولو تحرّفت قليلاً لتناسب الوسط الجديد أو تغيّرت بعض تفاصيلها، تبقى نفسها في النهاية موجودة في المسلسل والفيلم.

الاستلهام مختلف، فهو لا يلزم الكاتب بالإبقاء على الأحداث أو الحبكة نفسها، ولا يلزمه حتى بالإبقاء على الشخصيات؛ هناك عشرات القصص المستلهمة من شيرلوك هولمز والتي تتضمن محققاً وجريمة، أو القصص التي تعتمد شخصية ذكية ودقيقة الملاحظة دون التحقيقات والجرائم، أو التي تستخدم بنية قصص شيرلوك وطريقة سردها دون اعتماد أي من التفاصيل الأخرى.

الاستلهام يعطي للكاتب الجديد حرية أكبر في أخذ أفضل العناصر أو أهمها من العمل الأصليّ إلى العمل الجديد، بينما يحصره الاقتباس أحياناً في جدران العمل الأصلي دون مساحة كبيرة للإبداع.

في هاوس لدينا استلهام من السلسلة الرئيسيّة بطريقة ممتازة، فهو يأخذ روح هذه السلسلة ويعيد بعثها بما يلائم الوسط الجديد، يأخذ من هولمز ليس الاسم والقشرة، بل لبّ المغامرة وروح الاكتشاف، والتلاعب الذكيّ على الأحداث لشدّ المتابع إلى إنهاء القصة محاولاً منافسة الشخصية الرئيسيّة – كما الشخصيات الثانوية في القصة.

على الرغم من عدم امتلاكي لأي معلومة طبيّة تؤهّلني لفهم الأعراض أو توقع أسبابها، كنت أجد دائماً طريقة لأشارك في حلّ اللغز، كان هناك دائماً باب ليدخل المتابع ويضع توقّعه قبل نهاية القصة وكشف اللغز بالكامل، سواء كان هذا من خلال الشخصيات الجانبيّة التي تؤدّي دوراً فعّالاً في القصة وتساهم فعلاً في حل اللغز، أو من خلال التلميحات التي نراها عبر مرافقي المريض أو قصّته التي تعرض في اللحظات الأولى، هناك دائماً منفذ للمتابع العاديّ كي يحاول اكتشاف اللغز، وهذا ما يجعل القصة ممتعة.

وجود هذا المنفذ فقط لا يكفي، فالجانب الأصعب هنا هو الموازنة بين “جعل اللغز قابلاً للحل” وبين “جعله صعب الحلّ بما يكفي ليكون عقبة أمام الشخصية الرئيسية” والموازنة الصعبة هذه هي التي تفشل فيها أعمال مثل شيرلوك، حيث يصبح اللغز مستحيلاً على البشر.

ما يساعد على موازنة هذا في كثير من الأحيان هو بناء الشخصيات في العمل، خارج كونهم مجرّد أطباء أو مشخّصين، فلكل منهم حياته ومشاكله ومصاعبه التي عليه اجتيازها، هذا البناء الجيد يسمح بالاعتماد على أكثر من “الألغاز الصعبة” فحسب في بناء العقد.

بأي حال، يستحق الدوكتور هاوس حديثاً أطول من هذا ولكن بقاء المقال في المسودات لأشهر طويلة دفعني لإخراج ما انتهى منه هنا، وإن لم يكن هذا واضحاً من حديثي عنه، فأنا أنصح بمشاهدته جداً لكونه واحداً من المسلسلات الأجنبية الطويلة التي تستحق فعلاً الوقت المنفق عليها.

لماذا لا زلت أستخدم فيسبوك؟

الأغنية الأصليّة:

تعليق واحد

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *