فروست بانك، فرصة ضائعة

فروست بانك تضعك على رأس مجموعة من الناجين في آخر مدينة على الأرض بعد أن ابتلعتها عاصفة ثلجيّة، وتطلب منك أن تحميهم وتبقيهم على قيد الحياة، في درجات برد قارس ضمن ظروف صعبة وموارد محدودة، حتى هدوء العاصفة وعودة شروق الشمس من جديد. في كلّ سيناريو تقدّم اللعبة لك الكثير من الخيارات التي عليك دراستها على المدى القريب والبعيد، ومعرفة أيّ الفرص عليك أن تقتنص وأيّها عليك تجاهله لتحقيق المنفعة الأكبر لمدينتك.

تبني اللعبة على مفهوم العودة من الصفر كثيراً، وتحاول بشكل غير مباشر إعادتك للبداية عند سلك منعطفات خاطئة في الرحلة، على الرغم من إمكانية حفظ التقدم واسترجاعه في أيّ وقت كان؛ فلا وجود للحفظ التلقائيّ هنا، ولا طريقة لمعرفة أيّ الخيارات التي قمت بها كانت خاطئة وأدّت بك إلى الفشل.

خيارك الأفضل أن تبدأ من جديد، تحاول اغتنام الفرص الضائعة، الاهتمام بالتفاصيل أكثر، تغطية نقص ما لم تلحظه في المرة الأولى التي لعبت فيها السيناريو، ومحاولة النجاة.

في محورها، فروست بانك لعبة مبنيّة -قصصياً وأسلوب لعب- على اغتنام الفرص، وأهمية التعلم من الفرص الضائعة في الماضي؛ فالأحداث كلّها تدور حول “الفرصة الجديدة” التي حصلت عليها البشرية في هذه المدينة، وحماية هذه الفرصة بأيّ شكل من الأشكال متفادياً أخطاء الماضي التي ارتكبها قادة العالم القديم، وأسلوب اللعب يشجعّك على اغتنام الفرص بشكل محسوب، والتعلم من الأخطاء متفادياً أخطاء المحاولة السابقة.

ومن المثير للسخرية، أن لعبة تدور في محورها حول الفرص والفرص الضائعة واغتنامها، تحمل بنفسها عشرات الفرص الضائعة والمشاكل التي لم يستطع فريق التطوير حلّها قبل إطلاق اللعبة للعالم، وهو ما جعلها برأيي تعجز عن أن تضع نفسها كلعبة معرّفة لهذا النمط في هذا الجيل، على الرغم من امتلاكها إمكانيّة قويّة على هذا.

ذروة مُفسدة

بعد عشر ساعات من التجارب في السيناريو الأول، القصة الرئيسية للعبة، وبعد ساعتين من بناء المدينة المثالية القادرة على تلبية حاجات المواطنين في العاصفة القادمة، مخازن الفحم ممتلئة والبيوت دافئة، دور العبادة تصلّي ليلاً نهاراً لترفع الأمل عند سكّان المدينة، الخشب المتبقي يحرق في المفاحم والطعام يستهلك كما لم يستهلك من قبل، بدأت الموسيقى هذه في الخلفية، وبدأت معها العاصفة لأصبح عاجزاً تماماً عن التأثير في مجريات الأحداث.

كلّ ما يمكنك القيام به في تلك المرحلة هو تسكين آلام السكّان وتقديم الوعود بأنّ العاصفة ستنتهي قريباً، وكلّ شيء سيكون على ما يرام، وأنّ المدينة ستنجو. لم تكن هذه المرة الأولى التي أصل فيها لهذه النقطة، وكنت أعرف تماماً أنّ نتيجة اللعبة في هذه المرحلة مقرّرة سلفاً، إما بالموت أو النجاة، وكل ما عليّ فعله هو الانتظار.

بعد أن تصاعدت الأمور إلى أن قارب الأمل على الإنعدام وضاق صدر سكّان مدينتي بي، وتصاعدت موسيقى الخلفيّة لتدخل في قسمها الأخير وشارفت العاصفة على الإنتهاء، انتظرت بترقّب النهاية العظيمة لهذا الكفاح الطويل، ما يزيد عن ثلاث ساعات من التخطيط والبناء ستنتهي للمرة الأولى برؤية النور، أردت رؤية النور تماماً كما سكّان المدينة، ولكن…

اللعبة تنتهي مع اللحظة الأولى لشروق الشمس… أحسنت، مدينتك بأمان، انتهت العاصفة، فلنعد لنتذكر كل ما قمت به.

بهذه البساطة، تفسد اللعبة عليك متعة النصر، وتمنعك من أخذ نفس للاستراحة من الضغط المتراكم في اللحظات الأخيرة والاستمتاع بما جنته يداك على مدى الساعات الماضية، لا يمكنك أن تنال القليل من الراحة مع مدينتك الصغيرة، ولا يمكنك حتى رؤيتها أو التفاعل معها.

في المرة الأولى التي يحصل فيها هذا أجلس منتظراً “التايم لابس” لينتهي، على أمل العودة لمدينتي مرّة أخرى لأودّعها أو ربما لأطمئن على مصير سكّانها، ولكن لا شيء. اللعبة لا ترغب بإعطائك هذه النشوة.

ربما خيار المطورين هذا كان هادفاً لوضع “نهاية حقيقيّة” للصراع، فلا منطق من متابعة اللعب بعد هزيمة “الوحش الأخير” المتمثل بهذه العاصفة، وفي النهاية، العديد من الألعاب الاستراتيجيّة تعمل بنفس الطريقة، بمجرّد إتمام المهمّة الرئيسيّة تنتهي اللعبة، بهذه البساطة، ولكن في هذه الحالة الأمر مختلف؛ المهمّة الرئيسية مرتبطة بالزمن، لا يمكنني كما في لعبة استراتيجيّة أخرى أخذ وقتي والمحاولة كما أشاء قبل اتمام المهمّة الرئيسية بالوقت الذي أشاء.

بعض السيناريوهات الأخرى الموجودة في اللعبة كانت أفضل من هذه الناحية، على سبيل المثال نهاية سيناريو اللاجئين، ونهاية سيناريو الخريف الأخير، ولكن كون القصّة الرئيسية والمرحلة الأولى من اللعبة -والتي من المفترض أن تكون نهاية الصراع بأكمله، والخطوة الأخيرة للبشرية في تخطّي العاصفة- كانت نهايتها مفتوحة بطريقة محطّمة لذروة ونشوة الانتصار، كانت توقّعاتي لنهايات جيّدة للسيناريوهات معدومة، وأثّر هذا سلباً على اهتمامي بالمدينة واللعبة بشكل عام.

المعاناة لا تقتصر على شعب المدينة، بل الحاسوب يعاني أيضاً

لا معنى للمعلومات المذكورة في هذه الصورة.

في البداية، حاسوبي الشخصيّ ليس الأفضل على الإطلاق، ولكن لم يخذلني الـGTX1050TI العزيز منذ اشتريته في تشغيل أيّ لعبة أردت لعبها حتى النهاية. وعندما تحققت من مواصفات فروست بانك وشاهدت بعض الصور منها لم أكن أتوقع أنها ستسبب لي مشكلة في اللعب، لدي ما يكفي وزيادة بحسب كل الأرقام المذكورة في صفحة المتجر.

حسناً، كنت مخطئاً جداً بهذا الخصوص، لا شيء يكفي لتشغيل هذه اللعبة، انسى Crysis، فروست بانك هي اللعبة الحقيقية التي يجب اختبار بطاقات الشاشة لتشغيلها لإثبات قدراتها.

في المراحل الأخيرة من أي سيناريو، وبمجرّد بداية عدد السكان بالتزايد، يبدأ معدل الاطارات بالانهيار، وتجاوبيّة اللعبة بالخروج من النافذة، والمشاكل التقنية بالظهور، وصوت مروحة المعالج بالارتفاع محاولاً تبريده من الإرهاق الهائل لسبب ما، ويبدو للحظات أن الحاسوب نفسه بحاجة أن يكون في أرض الصقيع ليستطيع تشغيل هذه اللعبة.

لا أرى أيّ سبب قد يبرر حدوث هذا، سوى أنّ مطوري اللعبة إمّا لم يختبرو اللعبة حتى النهاية على المواصفات المذكورة في صفحات المتاجر، أو أنّهم لم يكترثوا بتحسين أداء اللعبة بما فيه الكفاية ليعترفوا أن هذه المتطلبات محض هراء.

ولهذا دور كبير في إفساد ذروة اللعبة أيضاً، فعلى الرغم من أن الموسيقى تعمل بالشكل الصحيح، إلا أنّ معدل الإطارات يضع اللعبة على نصف السرعة، وتبدأ الأحداث تتراكم وتتدافع لتظهر على الشاشة ليصبح تأثيرك عليها معدوماً حتّى لو حاولت. تسريع اللعبة في أيّ مرحلة متقدمة من السيناريو سيضعك في نفس الموضع، لا يمكنك التحكم بأي شيء دون محاولة تبطيء السرعة والانتظار ليعود معدل الاطارات لمكانه.

يبدو وكأن المشكلة في طريقة التسريع نفسها، فالمشكلة تحصل في أغلب الأوقات عند تسريع اللعبة، وإن كان عليّ الرهان على سبب لهذا، فهو أنّ اللعبة تستخدم الـRNG “مشّكل الأرقام العشوائية”، بشكل مستمر أثناء اللعبة لتحديد ما سيحصل لاحقاً، وعند التسريع يزداد استخدام هذه الأداة بشكل لا يسمح للجهاز التعامل مع كمّ المدخلات الهائل.

وهذا يقودني للمشكلة التالية.

الحظّ

رأيت الكثير من النقاشات حول نقطتين فقط مرتبطتين بالحظّ أو الRNG على الإنترنت وهما مدينة تيسلا والكهف المحاط بالدببة، ولم أر النقاش الأهم برأيي؛ الحظ في تقلبات الحرارة كلّ يوم.

الجزء الرئيسيّ من أحداث اللعبة يتّبع نصّاً محدداً، على سبيل المثال، اليوم الذي يحضر فيه الناجي الأخير من Winterland لتجبر على إعطاء مواطني مدينتك هدفاً عن طريق الدين أو الإنضباط، أو اليوم الذي تبدأ فيه العاصفة، إضافة لنقاط محدّدة على الحرارة أن تصل فيها إلى درجة معيّنة، أما بين هذه النقاط، فتقلبات الحرارة عشوائيّة بالكامل.

يمكن أن تمضي الأيام الخمسة الأولى دون أي انخفاض أو ارتفاع في الحرارة، وثمّ فجأة تنخفض الحرارة ثلاث درجات بنهاية الأسبوع، ويمكن أن تبدأ اللعبة على انخفاض الحرارة في نهاية اليوم الأول درجة واحدة.

وهذا يؤثّر بالطريقة التي يمكنك اختيار فيها ما عليك بناؤه وتجهيزه أولاً، في المرة الأخيرة التي جرّبت فيها السيناريو الأول، والمرّة التي سبقتها، كان الحظّ إلى جانبي، فالأيام الأولى كلّها كانت صافية، واستطعت إبقاء السكان دون تشغيل المولّد بلا أيّ عواقب تقريباً. بينما كانت المرّات الأولى متقلبة لدرجة لا تسمح لي بفعل مخاطرة كهذه، وتضعني في موقف حرج بالنسبة للموارد.

والبداية هي ما يقرر تقريباً تجربتك مع اللعبة، بالطبع، يمكنك النجاة دائماً، اللعبة مصممة لتكون قابلة للفوز دائماً حتى مع انخفاض الحرارة في البداية، ولكنها ستصبح أصعب بشكل ملحوظ.

عندما أنهيت السيناريو الأول، لم أشعر بثقة كافية لإعادته – فقد كان الحظّ إلى جانبي في المحاولة تلك، ولم يكن “أسلوب اللعب” هو ما قادني للنجاح.

هذا الحظّ يعود أيضاً في العاصفة الأخيرة في نهاية السيناريو، فلا يمكنك توقّع نتائجها أبداً. حتى عندما يكون الأمل في أعلى مستوياته والغضب في أدناها، وعندما تكون مخازن الفحم والطعام مليئة، هناك احتمال كبير أن النهاية ستكون على خطّ رفيع من الحظّ، إمّا ينهار الأمل لسبب ما، كموت طفل أو حدث عشوائيّ لا يمكنك توقّعه، أو أن يصمد للنهاية، وتفوز باللعبة.

لا أمانع توظيف الحظّ في اللعبة، حتى لا أمانع ما يمانعه الآخرون بخصوص مدينة تسلا والكهف المحاط بالدببة لأنها لا تؤثّر لهذه الدرجة بالأحداث القادمة، ولكن تقلبات الحرارة في البداية، والأحداث ضمن العاصفة، كلاهما يؤثران بشدة على إمكانية الفوز باللعبة.

كخلاصة

هل تستحق هذه اللعبة ثمنها؟ حسناً، ربما، إن كنت تبحث عن لعبة يمكنك نسيانها بعد الانتهاء مباشرة. ولكن لا ترفع توقعاتك كثيراً، وتجهّز لوضع الجليد على حاسوبك او الاستثمار بشراء تبريد مائيّ إن قررت لعبها.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *