النبش في زبالة السينما: العدد الثاني – Overlord 2018
بينما كان فيلم Doom الذي ذكرته في المقال السابق فيلماً مبنيّاً على لعبة في اسمه فقط، حيث قدّم تجربة مقطّعة وأقلّ ما يقال عنها أنّها “باردة” بدلاً من محاولة اعتناق “روح اللعبة” في شدّ الأحداث وتقديم القصّة، فيلم أوفرلورد يقوم بالعكس تماماً، فهو غير مبنيّ على لعبة من الأساس، ولكنّه مقدّمٌ على شكل تجميعة لمشاهد Cutscenes “حماسيّة” وكأنّها مسحوبة من لعبة، وسبب فشله في تقديم تجربة جيّدة مثير للاهتمام بقدر سبب فشل دووم، فهما طرفان لقصّة واحدة برأيي.
أوفرلورد يقدّم قصة شبيهة جداً بتلك التي تحاول Wolfenstien 2009 تقديمها، لعبةٌ قادمة من نفس صانعي Doom وتعتنق في قلبها الكثير من أفكار السرد والتقديم المحورية المشابهة، كلاهما لعبتان يعتمدان على إطلاق النار المستمر، الحركة المستمرة، ورفع المخاطر المستمر ضمن اللعب.
وولفنشتاين 2009
وولفنشتاين 2009 تقدّم قصّة خارقة للطبيعة، حيث استطاع النازيّون الحصول على أدوات أثريّة تمكّنهم من الوصول إلى عالم موازٍ، وبفعلتهم هذه أصبح بإمكانهم تجنيد كائنات غريبة، وإجراء تعديلات على جنودهم ليكونوا أقوى وأكثر شراسة. بلاسكوفيتش، البطل في القصة، يحصل على قلادة تسمح له باستغلال بعض القدرات بطريقة مشابهة، و اللعبة تركّز على مشاركته في الحرب لإيقاف هذه التجارب وإزالة هذا السلاح الفتّاك من يد الأعداء.
وولفنشتاين -ليس فقط في جزءها هذا بل في كافة أجزاءها- لعبة تركز على فكرتين في قصصها: أولاً قتل النازيين وثانياً فعل ذلك بأكثر طريقة مبالغ فيها على الإطلاق.
عندما تدخل لعبة وولفنشتاين -كما في حال دووم- فأنت لا تتوقع “أفضل قصّة مكتوبة على الإطلاق مع أفضل حوارات مؤثّرة وأفضل دراما بين الشخصيّات” بل تتوقع الحصول على الكثير من الأسلحة، والكثير من الرصاص، والكثير من الأعداء لتنفق هذا الرصاص في أجسادهم.
بالطبع، لا يمكن القول أيضاً أن القصة سيّئة أو الكتابة ضعيفة، الوصف الأفضل لها برأيي هو أنّها “جيدة بالقدر الكافي” لوضعها في لعبة مشابهة؛ كافية لتشدّ اهتمامك وتدفعك للإكمال والتأثر بالأحداث المرعبة، ولكنّها ليست معقّدة زيادة لتمنعك من فهم ما يجري حولك.
ما يجب عليك فهمه من كلامي هذا، أنّ وولفنشتاين تعتمد بشكل محوريّ على الغيمبلاي، على الحماس القادم من المعارك، على المبالغات الهائلة التي تحصل في ساحة المعركة، على الأحداث المتفجّرة والأعداء المتوحّشين، أي باختصار تعتمد على جانب “اللعبة” من اللعبة لتكون قادرة على الوقوف على قدميها.
أوفرلورد والفهم الخاطئ لألعاب الفيديو
المشكلة الرئيسيّة في أوفرلورد هو ما قلته في بداية هذا المقال، وهو كونه مجموعة من الCutscenes المجموعة في مكان واحد، أوفرلورد يأخذ أقلّ العناصر الجذّابة في لعبة الفيديو ويبني على هيكلها فيلماً يحاول تقديم قصّة لا تنجح في ألعاب الفيديو أساساً دون الغيمبلاي. فينتهي به المطاف بأخذ أسوأ مافي العالمين؛ السرد الممل والقصّة الضعيفة.
عندما يحاول أوفرلورد تقديم قصّة “النازيّين الزومبيز” الذين يحاولون اغتصاب صديقة البطل وقتل المدنيّين وحرقهم وإجراء التجارب الغريبة عليهم لصناعة الجنديّ الخارق، يفشل الفيلم في تقديم ما يجعل هذا الPremise في وولفنشتاين مقبولاً؛ الحركة والإثارة المستمرة والغيمبلاي الواسع، هذا غير ممكن تقديمه أساساً في عالم الأفلام، ولكن بالنظر إلى أفلام الأنميشن القادمة من قصّة ريزدنت إيفل، يمكننا فهم ما يمكن للأفلام استخدامه للتعويض عن هذا؛
إبهار بصريّ أكثر، كلمات وحديث أقل.
أوفرلورد يقدّم الحركة والقتالات وإطلاق النار والمشاهد المتفجّرة في كثير من مشاهده، ولكنّ عيبه برأيي هو أنّه لا يقدّمها بمستوى مبالغة وجنون مقارب لجنون القصّة التي يحاول سردها؛ عندما تدفع قصّتك لتقديم جيش النازيّين الزومبي، عليك أيضاً تقديم قتالات ومعارك وانفجارات على نفس المستوى من المبالغة.
محاولة تقديم شيء كهذا دون إخلاص كامل يضع الفيلم في مكان خاطئ، بدلاً من وضعه مع الأفلام التي “تبالغ بكلّ شيء لدرجة ممتعة” ستضطر لرؤيته على أنّه فيلم آخر يحاول أخد نفسه جدّية، ولكن بكتابة سيئة.
الرعب من خوارق الطبيعة في وولفنشتاين ينجح لأنّك كلاعب تحت الخطر، ولأنّ الأعداء الذين تقابلهم يضعوك في خطر “حقيقي” إن صح التعبير، ولكن في حالة أوفرلورد، أقصى ما يمكن للأعداء الموجودين فعله هو إثارة اهتمامك في فهم سبب وجودهم، لا أكثر.
خلاصة
بينما يفشل دووم في كونه فيلماً لأنّه يبعد عن اللعبة المفترض اقتباسها باتّجاه مختلف تماماً عن المادّة الأصل، يفشل أوفرلورد في كونه فيلماً لأنّه يحاول حصر سحر لعبة لا علاقة لها به دون فهم ما يجعل الأفلام المبنيّة على الألعاب مقبولة في الأساس؛ اعتناق المبالغة وتقديم الأحداث بتواتر عالٍ يعوّض نقص تفاعل المشاهد مع الفيلم وأحداثه.
أجد هذين الفيلمين من أهمّ الأعمال السيئة التي يجب مشاهدتها لفهم مشاكل نقل قصص الألعاب إلى أفلام، وفي المقابل، أفلام مثل ثلاثيّة الأنميشن من ريزدنت إيفل من الأمثلة الجيّدة جداً على تحويل قصّة “هزلية” من لعبة إلى فيلم ممتع.