حزيران-2007، ينشر مستخدم مجهول بالاسم المستعار S. S. Walrus على 4 تشان منشوراً بعنوان “من ملفّات المركز 19” مرفقاً معه صورةٌ لكائن غريب يشبه الدمية، ويكتب تحتها وصفاً لهذا الكائن وكيف يمكن “احتواؤه”. الكائن المرمّز له بالرقم SCP-173 كان مستوحىً على ما يبدو من حلقة Doctor Who تصف كائنات مشابهة، ولكن الصياغة المميزة للمنشور التي عرضت الكائن من وجهة نظر “منظّمة ما” مسؤولة عن احتواء هذه الكائنات ومقاومة قدراتها بأسلوب “تقريريّ” مميز.
في الأشهر التالية لتاريخ أوّل نشر، يخضع هذا المنشور لتعديلات كثيرة ويعاد نشره على فورتشان عشرات المرّات، في نفس الوقت، يستغلّ الأسلوب العديد من المستخدمين لإنشاء الSCPs الخاصّة بهم ونشرها على المنتدى، وليصل الأمر في النهاية إلى إنشاء موقع مخصص لجمع هذه القصاصات والعمل على ملفّات منظّمة الSCP بشكل جماعيّ.
ترمز الحروف الثلاثة إلى الكلمات Secure Contain Protect والتي يمكن ترجمتها إلى “تأمين احتواء حماية”، وتشير أيضاً إلى عبارة Special Containment Procedures – إجراءات الإحتواء الخاصّة، وهي العبارة التي تبدأ بها الملفات عادة.
الويكي والكتابة الجماعيّة
ويكي الSCP Foundation المؤسّس بعد سنة تقريباً من تاريخ النشر الأوّل لSCP-173 أصبح مكاناً لتجمّع الكتّاب المهتمّين بهذا النوع من القصص، وبدأ العمل على بقيّة الملفّات جماعيّاً، حيث يقدّم الكتّاب أفكارهم ويتم التصويت عليها وتعديلها وتحريرها وتدقيقها قبل اعتمادها بشكل رسميّ كSCPs مرقّم في الويكي.
هذا الأسلوب في كتابة القصص مشابه للطريقة التي تطوّرت فيها قصص الSCP بشكل طبيعي على 4 تشان قبل إنشاء الويكي، حيث يكتب أحدهم قصّة ثم يضاف إليها ويعدّل عليها في كلّ مرة يعاد نشرها ونسخها فيها. أسلوب الكاتب الأصليّ يبقى محفوظاً، وكلّ التطويرات والتعديلات على النصّ تهدف لإيصاله لمرحلة ناضجة بما فيه الكفاية لينشر ويعتمد رسمياً.
الرخصة التي نشر فيها المحتوى أيضاً برأيي تعبّر عن هذا التوجّه، CC 3.0 BY-SA، وهي رخصة تتيح اقتباس المحتوى وتعديله وتغيير وسط إنتاجه سواء بهدف الربح أو أيّ هدف آخر، بشرط الإشارة للمحتوى الأصليّ واستخدام الرخصة نفسها.
أتيح في الويكي أيضاً مساحة للكتّاب الراغبين باستغلال الملفّات الموجودة لكتابة قصص بأسلوب مختلف عن أسلوب الملفات المعتمد في أغلب قصص الSCP المرقّمة، وبسبب الحريّة المتاحة للكتّاب وتشجيع ثقافة الاعتماد على أعمال الكتّاب الآخرين في المنصّة لبناء وتطوير القصص، ظهرت العديد من الأكوان القصصيّة – Cannons التي تضمّنت قصصاً وملفّات من كتّاب مختلفين.
هذا النوع من مبادرات الكتابة الجماعيّة وُجد قبل ظهور ويكي منظّمة الSCP بسنوات عديدة، في الواقع، الرواية الأولى من هذا النوع (على ذمّة ويكيبيديا) كانت عبارة عن مشروع كتابة جماعيّة في فصل جامعيّ، وهناك مشروع مشابه من دار نشر بينغوين هدف لإنشاء رواية جماعيّة على الانترنت – Wikinovel مستلهمة من تجربة ويكيبيديا في الكتابة الجماعيّة.
مشروع دار النشر بينغوين -الذي أُطلق قبل ظهور ويكي الSCP- استمرّ أقلّ من سنة قبل أن يغلق بسبب التشويه المستمرّ والتعديل الجائر للمحتوى، وفشل الفريق المسؤول عن تدقيق المحتوى وتحريره في مكافحة هذا الهجوم على الموقع – هذا برأيي كان بسبب عجز أصحاب المشروع عن فهم طريقة عمل الإنترنت، وبسبب القواعد المتراخية وسوء الإدارة.
في الطرف المقابل، نجاح مشروع ويكي منظّمة الSCP كان مقترناً بفهمهم لثقافة الانترنت، وقدومهم من أحد أقدم المنتديات وأكثرها عشوائيّة وسمّيّة على الإنترنت أعطاهم التجربة والخبرة الكافية للتعامل مع هذا النوع من الهجمات وبناء قواعد مجتمعيّة أفضل لضمان جودة المحتوى. هذا كلّه بالإضافة للبنيّة المميزة لنصوص الSCP التي تفصل بين “الملفات” وبين “القصص” وترفض قطعاً وجود “كون قصصي أساسيّ” وتتيح لكل الكتّاب فرصتهم في خلق قصصهم وأكوانهم الخاصّة.
ويكي منظّمة الSCP فصل بين ما يمكن للكتّاب العمل عليه معاً، وهو الفولكلور – Lore الذي لا يحتاج “استقراراً سرديّاً” إن صح التعبير، ويمكن فهم كلّ قطعة منه بذاتها مع تداخل قليل جداً بينها وبين القطع الاخرى – وبين القصص التقليديّة التي تحتاج لاستقرار سرديّ وتماسك حتّى تكون مفهومة للقارئ.
فولكلور الإنترنت
منظّمة الSCP بملفّاتها وقصصها قد تكون أحد أوضح تمثيلات الفولكلور الرقميّ الموجودة حالياً؛ وبقاؤها على قيد الحياة حتّى الآن، وإعادة اقتباسها وإنتاجها ونشرها في أوساط مختلفة، والبناء عليها وتطويرها واستكشاف كلّ ما يمكن إنجازه عبرها كتابيّاً وأدبيّاً، يعني أنّ نوعاً جديداً من الأدب قادرٌ على النجاة، وأنّ المكان الوحيد القادر على احتضانه هو الانترنت، بكلّ سميّته وعشوائيّته.
تتيح لنا هذه التجربة أيضاً فرصة للنظر إلى “الفولكلور” من زاوية مختلفة، هنا يمكننا رؤية خطّ بداية واضح ظهرت فيه القصّة، ومسار تطوّرها ونضوجها، وتحوّلها في النهاية لجزء من ذاكرة وثقافة الملايين حول العالم.
لدينا أيضاً نظرة عن تاريخ المكان الذي ولّد هذا الفولكلور؛ الانترنت – 4 تشان تحديداً، وكيف انعكست صفات هذا المكان السامّ والعشوائيّ على نوع القصص، ليسيطر الرعب اللاف كرافتيّ والنفسيّ على نسبة كبيرة من هذا الفولكلور، ولتلعب المعلومات التقنيّة والعلميّة والفلسفية دوراً كبيراً في تشكيل هذه القصص، وليظهر جيل جديد من القصص المجازيّة – Meta التي تعكس جزءاً من ثقافة كتّابها بشكل مباشر على النص ومعناه.
قصص المنظّمة التي تعكس مجازاً حركات حديثة لم يتطرّق لها الفولكلور “الحقيقي”، كالساينتولوجي والعصر الجديد والتنمية البشريّة والرأسمالية الحديثة وغيرها ممّا يلامس حياة الناس حول العالم اليوم، وهذا يجعلها -لمن يرغب بالقراءة المعمّقة وتحليل ما فيها- مكاناً مثالياً لفهم طريقة تفكير فئة “أدبيّة” مختلفة عن الموجود في الميديا التقليدية.
إضافة أخيرة قبل الختام
كون ملفات الSCP تحت رخصة المشاركة بالمثل التي ذكرتها سابقاً، أُغريت لترجمة أحدها وتنسيقه بنمطٍ مناسبٍ لثقافتي الحضريّة -على شكل ملفّ من ملفات المخابرات- وأردت إرفاق هذا الملف الناقص، كوني لم أرغب سوى بإثبات قابليّة ترجمة هذه الملفات واقتباسها للعربية، لا إنتاج اقتباس كاملٍ مثاليّ لأحدها.