ألعاب الواقع البديل – Alternative Reality Games (ARGs) هو أحد أساليب السرد القصصي الحديثة التي ظهرت مع ظهور الانترنت، في هذا النوع من القصص، يهدف محرّك الدّمى – Puppet Master (كاتب القصّة ومسيّر أحداثها) إلى غمر المشاهدين والمتابعين في قصّته عبر تقديمها خلال أوساط ميديا متعددة، مستغلاً شساعة الانترنت واختلاف أساليب عرض المعلومات فيه.
يتميّز هذا النوع من القصص بالقدرة العالية على غمر المتابع في تجربة القصة، وفي بعض الأحيان السماح له بالتأثير على أحداثها من خلال حلّ بعض الأحجيات أو ربط الأدلّة، ويتمّ هذا عبر تدخّل محرّك الدّمى – Puppet Master بشكل مباشر.
تقليدياً، يمكن البدء بأحد هذه القصص عبر رأس خيط – Rabbit hole/Trailhead يتركه محرّك الدمى – Puppet Master في موقع ما، يمكن عبر هذا المدخل الوصول لبقيّة أجزاء الأحجية، وكلّما كان اللاعب قادراً أكثر على تعقّب البيانات وجمعها وتفسيرها كلّما كان أكثر قدرة على فهم القصّة وتفسيرها والتوسّع بها.
بحسب مؤسس المصطلح شون ستيسي، من الصعب تعريف ألعاب الواقع البديل أو تحديد ملامح هذا التصنيف تماماً، ولكن يمكن القول أنّ كافّة القصص الموجودة فيه تقع في منطقة ما ضمن كرة ثلاثيّة المحاور، تصف “قواعد اللعبة، سيطرة الكاتب، والمفهوميّة – ruleset, authorship and coherence”.
على سبيل المثال، ينشر أحدهم صورةً على منتدى يسمح بالنشر دون إنشاء حساب، عند النظر لعنوانها نجد سلسلة من الأحرف، عند التدقيق فيها تقودنا هذه السلسلة إلى معرّف قناة على موقع يوتيوب، في تلك القناة العديد من الفيديوهات ولكلّ منها وصف يتضمّن أدلّة أخرى، ومحتوى الفيديو نفسه يتضمّن أدلّة وتلميحات لمغزى القصّة. يساهم المتابعون في تحليل الأدلّة وملاحقتها لفهم القصّة وتقديم آراءهم حولها.
لا يذكرّ محرّك الدمى في أيّ مكان أنّ هذه “قصّة خياليّة” بل يترك هذا خارج المعادلة تماماً لتحقيق أكبر قدر ممكن من الانغماس في التجربة. على اللاعبين أو المتابعين أيضاً تناسي أنّ الأحداث ضمن لعبة، والتعامل معها على أنّها حقيقة، كأحد القواعد الأساسيّة لهذا النوع من القصص “هذه ليست قصّةً – This Is Not A Game (TINAG)”.
قدرة محرّك الدمى على السيطرة على توجّه الأحداث هنا تختلف بحسب طريقة تفاعل اللاعبين معها، مفهوميّة القصّة تختلف بحسب قدرة اللاعبين على تحليل الأدلّة الموزّعة حول الانترنت، والقواعد تختلف باختلاف نوع القصّة وتوجّهاتها واختيارات محرّك الدمى.
يخلط العديد من الناس ألعاب الواقع البديل بال”اللاخيال – Unfiction“؛ ولكن يمكن التمييز بينهما بسهولة، بينما تتطلب ألعاب الواقع البديل تدخّل المتابعين واللاعبين إلى درجة ما، لا يشترط “اللاخيال” هذا، وهكذا تكون كلّ لعبة واقع بديل “لاخيال” بينما لا يكون كلّ “لاخيال” لعبة واقع بديل.
ألعاب الواقع البديل، الانترنت والمجهولية
أحد أهمّ المصادر بخصوص هذا النوع من القصص، شون ستيسي الذي ذكرته سابقاً، يطرح حجّته بكون هذا النوع من القصص مستحيل “التصنيف” أو على الأقل، يستحيل تعريف حدوده بشكل قاطع، كونه يقع في مكان ما على المحاور الثلاثة المذكورة سابقاً – دون أيّ “مكان قاطع” يجب على القصص أن تنتمي له.
يخوض شون في الكثير من التفاصيل ويعرّف (ويصكّ أيضاً) الكثير من المصطلحات المرتبطة بهذا التصنيف في مقاله المنشور في 2006 عن الموضوع، ولكن ما أريد التركيز عليه هنا هي “المشاكل” التي قادت شون في البداية للتفكير في هذا الموضوع والتي أطلقت محاولته في تعريف التصنيف، وقادته لتصريحه بكونه “غير قابلاً للتعريف بدقّة”، وأنّ “عدم تعريفه، هو التعريف الكافي”.
بشكل رئيسيّ، المشكلة في ألعاب الواقع البديل تتلخص في نقطتين،
الأولى أنّ “العناصر المهمّة” فيها تختلف جذرياً من شخص للآخر، فبعض اللاعبين أكثر اهتماما بجانب البحث وحل الألغاز، بينما يهتم آخرون بالتفاعل مع الشخصيات والتأثير عليها، وبعضهم يهتم بمراقبة القصّة فقط، دون التفاعل معها بشكل مباشر. ههذا الاختلاف في الأهداف يجعل من تعريف التصنيف صعباً بسبب اختلاف “المحوريّة” بين متابعيه، وبسبب وجود هذه المحاور المختلفة في الأساس.
النقطة الثانية هو أنّ هذا النوع من القصص غير متفق على مغزاه أو الهدف منه، فهذه القصص تؤثّر على اللاعبين والمتابعين بطرق مختلفة، فعلى سبيل المثال، بينما يلعب أحدهم دور المحقق ويشعر بغمرة الأدرينالين عند اكتشاف أدلّة جديدة، يشعر آخر بالخوف والأسى بسبب الأحداث التي تمرّ على الشخصيات في القصّة. فهم شعور محددٍ أو مغزى محددٍ من التصنيف ضروريّ في تعريفه، وهنا الأمر شبه مستحيل.
لن أخوض كثيراً في طرح شون، كما أسلفت، مقاله من قطع المحتوى المحوريّة في هذا المجال ويستحق القراءة من كلّ مهتمّ، لكن ما أريد الوصول له هنا هو أنّ ألعاب الواقع البديل تجربة فريدة لكل شخص، وكون هذا الأسلوب القصصي مولوداً من ثقافة الانترنت، لا عجب أنّ لهذه الثقافة أيضاً دور في تشكيل صورته – أو منع تشكيلها في هذه الحالة.
ثقافة المجهوليّة – Anonymity التي تعتبر جزءً محوريّاً من ألعاب الواقع البديل، سواء عند الحديث عن محرّكي الدمى أو المشاركين في حلّ الألغاز؛ لا تقتصر هذه الثقافة لا على الانترنت ولا على هذا النمط القصصي، فالكثير من كتّاب الروايات استخدموا أسماء وهميّة لأسبابهم الخاصّة، لكن ما يميّز مجهوليّة الانترنت أنّها متوافرة للجميع، وأنّها القاعدة فيه لا الاستثناء، وأنّها أيضاً محرّك هائل لصناعة المحتوى على الشبكة.
لا يظهر من خلف الستار في ألعاب الواقع البديل سوى نادراً، ولا يهتمّ المشاركين في فرض “هويّاتهم” على القصّة وأحداثها لتقديم “تدعيم” لنظرتهم وصحّتها – على العكس تماماً، هذا النوع من القصص يشجّع على طرح الأفكار بغضّ النظر تماماً عن قائلها. قد يحلّ اللغز فتىً في العاشرة في دولة نائية، وقد يحلّها ممثل مشهور يتصفح الانترنت في وقت فراغه، وفي الحالتين لا أهمّيّة لهويّة اللاعب، ولا محرّك الدمى، التجربة نفسها هي الأهم. وهكذا الانترنت.
هذه المجهولية تسمح بإبقاء أجواء القصّة خالية من التحيّزات المسبقة، وتجعل بناء الحجج أكثر اعتماداً على الحجج نفسها بدلاً من “موثوقيّة” قائلها. تسمح أيضاً بانتشار القصص بناء على جودتها بدلاً من “شهرة” صانعها، وتتيح لصناع المحتوى الفرصة لإظهار قدرتهم على استغلال وسط حديثٍ جداً في السرد.
تتيح هذه المجهوليّة أيضاً الفرصة للطرفين إمكانيّة التصرف على طبيعتهم، وإظهار تفرّدهم دون أحكام مسبقة، وهذا ما لا يتاح في أوساط أخرى – وبسبب قدرة المتابعين واللاعبين على التأثير في مجريات اللعبة، يكون هذا التفرّد أكثر قوّة ومحوريّة في التجربة.
وفي أسوأ الأحوال؟ المجهوليّة أيضاً تتيح فرصة البدء من جديد على صفحة بيضاء في عيون المتابعين، ولكن مع خبرات التجارب السابقة.